افرقاء كثيرون لا يريدون للحكومة أن تنجح، لكن أحدا منهم لا يريد لها أن تسقط في هذا الوقت اللبناني الضائع في مهب الصراع الدولي‐الإقليمي الذي يلف المنطقة. وان هؤلاء الافرقاء يتلطون وراء عجز الحكومة عن اتخاذ حلول جراحية، جذرية، لمشكلات موروثة حتى ما قبل "الطائف"، وذلك في محاولة لحمل الرأي العام على الترحّم على الزمن الذي سادوا فيه، وكانت لهم اليد الطولى في ما بلغته الأمور من تردّ. عل هذا السلوك يسهم في إبراء ذمتهم، ويهيل تراب النسيان على ذاكرة الناس الذين انتقدوهم محملينهم جميعا المسؤولية.
سقوط الحكومة اليوم يحرج الجميع. الكل ينتظر "تنفيسة" ما، قد تكون حربا تنتهي بتسوية، أو تسوية تفضي إلى مشهد سياسي جديد. فلا بأس من الانتظار وترك الحكومة تملأ الفراغ بالحد الأدنى من الحضور. والحكومة لا تساعد نفسها، ولا تقدم على إجراءات تسند "خابية" الوضع المتداعي. إجراءات متاحة غير مستعصية على الحل، وهي معروفة. حكومة المستقلين غير مستقلة، وبعض وزرائها صدى لصوت من يقف لهم من جاء بهم إلى الحكومة". وهذا سبب وقوف الاخيرة في "العقبة" عند طرح بعض الملفات.
رئيس الحكومة حسان دياب لا تنقصه الارادة، ولا يفتقر إلى الشجاعة، ولا إلى حسن النية، إنما إلى التوقيت الصائب في حسم الموضوعات الشائكة والاشكالية، لأن سياسة الإطالة في درس الخيارات، والاحالة إلى اللجان، والتريث في بت ما يستدعي سرعة البت، ليست هي الحل. هذه السياسة تصيب من الحكومة مقتلا. على الرغم من كفاية رئيسها، ونزاهته، واخلاصه، وكفاية الوزراء، ورغبتهم الواضحة في الإنتاج.
فهل يأتي يوم يقرر فيه دياب ‐من دون أن يدفع إلى ذلك‐ رمي القفازات في وجه من ينتظر انقضاء الأشهر الأربعة العجاف المقبلة، فيخيب رهاناتهم، باقدامه على الاستقالة، والاكتفاء بتصريف الأعمال ضمن الحدود الدنيا، مستبقا ما قد تحمله التطورات الدولية والإقليمية التي تمثل فصولا في المنطقة، والتي في حدها "الحد بين الجد واللعب"؟.
اذا حصل ذلك، يعني أنه استعاد المبادرة، سواء شهر "سيف العز" دون استخدامه، أو اضطر إلى الضرب به في وقت قد يكون هو المسؤول عن اضاعته. لكن ذلك لا يعفي أيضا من يتربص به من مسؤوليته في وصول البلاد إلى هذا الدرك.