ما نُسِب للسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا من كلام عن أن "حسان دياب إنتهى"، كان له وقعه عند قوى سياسية شعرت أن الحكومة الحالية تحتضر، وبدأت سرّاً عملية إستطلاع الإسم الذي سيرث رئاسة الحكومة القادمة. في وقت كانت فيه بالأساس قوى مشاركة في الحكومة الحالية تتداول بسيناريوهات لصد عملية الإنهيار المتسارعة، خصوصاً بعد تراجع قيمة العملة الوطنية إلى حدود متدنية غير مسبوقة. من بين تلك السيناريوهات تأليف حكومة جديدة. تزاحمت الاسئلة: هل تكون حكومة لم شمل وطني كما يطرح نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي؟ أم حكومة بمن حضر تترأسها شخصية إقتصادية وازنة؟ بقي النقاش يدور في الأيام القليلة الماضية من دون أي توافق لاح ضمن الصف الواحد حول جواب او سيناريو واحد.
لا يعني عدم التوافق أن الصفحة طُويت، لكن المعادلة الثابتة: الحكومة باقية طالما البديل المتفق عليه غير متوافر.
تتحدث المعلومات عن أن هناك من أرسل في اليومين الماضيين موفداً يحمل رسالة لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي يعرض فيها عليه ترؤس حكومة جديدة. لكن ميقاتي رفض العرض طالما أن "منهجية العمل السياسي هي ذاتها". تضيف المعلومات أنّ ميقاتي كان طرح أسئلة قبل إعلان موافقته أو رفضه، لكن لا وجود لأجوبة. ما هي الاسئلة؟ لا أحد إطّلع عليها، ولا ميقاتي ولا المقربون منه يتحدثون عن شيء: هم لا يؤكدون ولا ينفون. لكن العارفين بسياساته الداخلية يتوقّعون أن يكون إشترط ان تكون الحكومة هي للم الشمل الوطني لا تستبعد أحداً، وتملك خطة عمل إصلاحية تبدأ بملفات الكهرباء. مما يعني أن ميقاتي لن يقبل أن تكون حكومته تستنسخ تجربة دياب حالياً. فرئيس كتلة "الوسط المستقل" ليس بحاجة للقب حكومي، سبق وأن جرّبه مرتين، ولا هو في وارد فرض نفسه لاعباً سياسياً، فهو يرأس تياراً وكتلة نيابية.
يأتي إختياره في هذا التوقيت لأنه يمثل أحد أركان لقاء رؤساء الحكومات السابقين، ويملك شرعية اسلامية سنية، وهو إقتصادي خبير بإدارة شؤون البلد مالياً. والأهم أنه يحظى بثقة دولية أميركية وأوروبية وعربية وإقليمية. يُقال هنا أن الإختيار كان في اللحظة اللبنانية الصعبة، لكنه اجتاز الإختبار ولم يستجب لطرحه من قبل قوى سياسية ترعى الحكومة الحالية. قد يكون رئيس الحكومة الأسبق يرغب بلعب دور إنقاذي لم يحن موعده حتى الساعة. فهو لا يريد ان يكون رئيس حكومة مواجهة. ولا يتمنى ان يكون وقود محرقة حكومية قبل اتضاح مسار إقليمي دولي بين الأميركيين والإيرانيين.
هنا يقول سياسيون ان توافر تلك الأجواء الداخلية والخارجية ستتيح عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، خصوصاً ان شروط "الشيخ سعد" هي أقل من شروط "الزعيم الطرابلسي". الإثنان يضعان ذات الملاحظات على النائب جبران باسيل بشأن الحكومة وعمل الإدارات. والإثنان أيضاً يتمسكان بصلاحيات رئاسة الحكومة من دون نقصان. لا بل إن الحريري أكثر تساهلاً كما أوحت تجربة الإثنين في فترة ترؤسهما حكومات سابقة. كما أن "الشيخ سعد" أكثر تنسيقاً وتجاوباً مع "حزب الله" مما كان عليه ميقاتي. لذا، فإن الأفضلية ستكون حينها للحريري لا لميقاتي.
بالإنتظار، يبدو أن "الزعيم الطرابلسي" أدار ظهره للطرح، وإبتعد عن الأضواء الآن: لا لقاءات ولا إتصالات في ظل صمت مفتوح. إلى متى؟ هل يعني ذلك أن لا بديل عن حكومة دياب؟.
حتى الساعة لا بديل متوافر بشكل جدي، لكن الأسماء الإقتصادية القادرة على تولي المسؤولية حالياً موجودة. لماذا لا يتم طرح إسم النائب فؤاد مخزومي؟ هو نجح في إنتخابات نيابية صعبة لتمثيل العاصمة بيروت، وبالتالي نال شرعية اسلامية سنية. وهو صاحب خبرة إقتصادية. واذا كان الخيار سيقع على أسماء إقتصادية مستقلة فإن ما يُطرح هو إسم الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، والنائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري.
بالمحصلة، لا يبدو ان اي فريق يرعى الحكومة الحالية، وخصوصاً "حزب الله" يستعد الآن لطرح الاستقالة من دون بديل جاهز ومتوافق عليه وعلى تركيبة الحكومة كي لا يقع البلد في الفراغ. وعُلم ان تلك القوى نفسها عمدت الى تعميم أجواء نفي وجود مشروع لتغيير الحكومة لعدم إحراج دياب الذي ستقف كل القوى لاحقاً على خاطره وتشكره على تحمل مسؤولية وطنية في ظروف صعبة جداً. لن يترك دياب السراي حينها الاّ مكرّماً.