أشارت أوساط صحيفة "الراي" إلى أنه "لم يعد مهماً توصيف أسباب بلوغ لبنان هذا المنزلق المصيري، أكان بفعل اقتياده بقوة الأمر الواقع من "حزب الله" إلى فم الصراع الكبير في المنطقة خدمةً لأجندة إيران، أو نتيجة العجز المتمادي للسلطة عن اجتراح حلولٍ لـ "الأزمة الشاملة" وإصرارها على معالجاتٍ لا تلامس الجوهر السياسي للانهيار، بمقدار ما أن الأساس يبقى أن ما تشهده بلاد الأرز يعبّر عن زمنٍ تَحوَّل لم يعد معه المجتمعان العربي والدولي يقيمان وزناً لشعار "لا حول ولا قوة" الذي كانت بيروت تُقارِبُ من خلاله مسألة "حزب الله" على قاعدة أنه مشكلة اقليمية وحلّها يكون كذلك، بدليل انتقال المواجهة المباشرة مع الحزب إلى داخل لبنان، من ضمن عملية التصدي لطهران وأذرعها".
ولفتت هذه الأوساط إلى أنه " بعدما بلغت واشنطن هذا المستوى من تضييق الخناق على "حزب الله" الموضوع بين فكّي كماشة العقوبات وقانون قيصر والمُمْسِك في الداخل بكرة النار على طريقة حكومة غزة، يصعب تَصوُّر أن تتراجع الإدارة الأميركية أو أن يسلّم الحزب، ما يجعل السؤال حول كيف يمكن الفكاك من هذا الطوق القاتل، وهل يستطيع لبنان أن يصمد حتى تتضح معالم هذه الحرب ومآلاتها التسْووية سواء بعد انفجارٍ أو بفعل تأثير الضغوط الأقصى".
كما أفادت بأنه "هنا مكمن المشكلة، فالخارج لم يعد يقبل بمنطق بعض اللبنانيين، عالِجوا مشكلة "حزب الله" التي ساهمتم في ترْكها تكبر في منبعها مع إيران، بل قرَّرَ أن لبنان يتحمّل مسؤولية أفعال الحزب وخياراته وأكلافها المالية والاقتصادية على البلد بعدما صار يُمسك بكامل السلطة، وأن أي تغطية له في هذه الأمتار الحاسمة من الضغط عليه داخلياً عبر حكومة أخرى تعيد تشكيل خط حماية له، لن تمرّ هذه المرة".
وانطلاقاً من "رقعة الشطرنج" الداخلية - الخارجية، تُقارِب الأوساط "مؤشراتُ الاستدارة شرقاً التي بدأها لبنان الرسمي بناء على إشارةٍ من "حزب الله"، وتحديداً في اتجاه الصين وإيران مروراً بالعراق وسورية"، مشيرةً إلى أن "أي قياسٍ لهذه الاستدارة من باب تداعياتها الاحتوائية للارتجاجات المالية - الاقتصادية التي يتسبّب بها السقوطُ المدوّي لا يُسْقِط الجانبَ الأساسي المتمثّل بأثمانها السياسية من ضمن اللوحة الكبرى للمواجهة في المنطقة".
واستوقفتْ الأوساطَ مسألتان متصلتان بملف الزيارة البعراقية إلى بيروت، "لم يحجبهما الصخب الذي رافق مطاردة متظاهرين لبنانيين مسؤولين من بلدهم كانوا يجتمعون مع الوفد العراقي (برئاسة وزير النفط إحسان عبدالجبار) في مطعمٍ ليل الجمعة في "الزيتونة باي" حيث أطلقوا شعارات تطالب بإسقاط الحكومة وتندد بالطبقة السياسية". وهو ما أكده مصدر في الخارجية العراقية تعليقاً عليه أن "الوفد العراقي لم يكن هو المستهدَف إنما المسؤولون اللبنانيون". وهاتان المسألتان هما:
استحضارُ تجربة برنامج "النفط مقابل الغذاء" الصادر بموجب قرار مجلس الأمن رقم 986 العام 1995 والذي كان سمح للعراق، المحاصَر بعقوبات اقتصادية دولية في حينها كعقاب لغزوه الكويت في 1990، ببيع كميات محددة من نفطه مقابل شراء الحاجات الحياتية الأساسية، وذلك على قاعدة أن «تتبادل» بيروت وبغداد النفط العراقي مقابل المنتجات الزراعية والصناعية اللبنانية.
وعلامات الاستفهام حول الطريق الذي ستمرّ عبره حركة التبادل التجاري (سواء بهذه الصيغة أو غيرها)، لأن عبورها بسورية من خلف عقوبات «قانون قيصر» قد يضع لبنان في مرمى هذا القانون، في حين أن تَجاوُز سورية سيجعل كلفة هذا التبادل أعلى بكثير ويُفْقِد المنتجات اللبنانية قدراتها التنافسية.
واستوقف الأوساط المطلعة كذلك تقارير حاولت الربط بين اللجوء إلى العراق لتبرير "الممرّ السوري" وبين وجوب الانفتاح على إيران في الإطار عيْنه، حذّرت من أن استراتيجية سفن الوقود والغذاء الإيرانية التي وُضعت في جهوزية وحُدّدت مساراتُها الجغرافية، باتت تثير المخاوف من زاويتين، أوّلهما توازن الردع الذي بدأ «حزب الله» يقيمه تحت عنوان أن أي استهداف لهذه السفن والقافلات سيُقابل بردٍّ قاسٍ لن يوفّر اسرائيل، والثاني من أن استيراد محروقات من طهران قد يعرّض القطاع المصرفي اللبناني للعقوبات الأميركية.