اعتاد الفلسطيني تحمُّلَ الصبر، الذي فاق صبر أيوب.
تعرّض على مرِّ السنوات للمُؤامرات، ما مكّن المُحتلَّ الإسرائيلي من احتلال الأراضي الفلسطينية في أيار/مايو 1948 والإطباق على ما تبقّى في حزيران/يونيو 1967.
عانى النكبة والنكسة، واستطاع تحويل آلامها إلى نضال حقّق من خلاله إنجازات وإبداعات على صُعُدٍ عِدّة.
لكن أصعب ما يتعرّض له، هو الظلم، فكيف إذا كان من ذوي القُربى، الذين يلتزم لهم بالواجبات، فيبحثون عن حرمانه حقوقه، ما يزيد من آلامه وعذاباته!
اللاجئ الفلسطيني في لبنان، يقع بين المطرقة والسندان، مطرقة المُحتل الذي اغتصب الأرض ويعمل على المزيد من القرصنة، والضغط والاعتداء، وسندان يُلغي النصوص القانونية التي تحرم اللاجئ حقوقه، وهناك مَنْ يُصرُّ على عدم منحها، في حال صدرت بقوانين، فلا تصدر المراسم التنفيذية لها، وإنْ لم تكن بحاجة إلى مراسيم فمصيرها الأدراج، لحساباتٍ مُتعدّدة!
مع كل أزمة في لبنان، وهي كثيرة في هذه الأوقات، تُوجّه فيها الرسائل وفق أجندات خارجية، تطفو على السطح ملفّات اللاجئ الفلسطيني، من حق التملّك، وقانون العمل والضمان الاجتماعي، إلى تحديد آليات الاستفادة من تقديمات في ظل جائحة "كورونا"، والأوضاع الاقتصادية المأساوية.
اقتراح الحرمان
ها هو وزير الاقتصاد والتجارة في لبنان راوول نعمة يخرج باقتراح ينصُّ على منح بونات سلّة غذائية، أو شراء الخبز، أو تعبئة البنزين والمازوت، ويحرم غير اللبناني الاستفادة منها.
هذا الاجتهاد "الجهبز"، يهدف إلى ذر الرماد في العيون، وهو هروب من المسؤولية بإيجاد مُعالجات لتأمين المُتطلّبات الأساسية المعيشية بأرخص الأسعار، وليس التفرقة في رغيف الخبز بين إنسان وآخر، أو جائع وآخر، وهو ما يُشعِل الغضب ويُعزّز التفرقة والبغضاء.
ينسحب هذا الأمر على موضوع التعامل بشراء الدولار، بعد قرار نقابة الصرّافين الجديد الرقم 6 بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2020، وفيه: "حصر استفادة اللبنانيين من شراء الدولار الأميركي المدعوم من البنك المركزي لتأمين حاجات المُواطنين".
ويطال أيضاً أقساط الطلاب الجامعيين خارج لبنان، وتمويل شركات المواد الغذائية.
هذا الإجراء يحرم الفلسطيني بشكل رئيسي الاستفادة من شراء الدولار المدعوم وأقساط الطلاب والشراء.
هل يدري "جهابزة" القرارات - غب الطلب - أنّ الفلسطيني هو الوحيد، الذي يُنفِق مُدّخراته في لبنان، وليس كما فعل بعض حيتان الأموال من سياسيين واقتصاديين ومصرفيين بتحويل مليارات الدولارات إلى الخارج؟!
ما يُنفقه الفلسطيني في لبنان، هو بالعملة الصعبة، وما ينطبق عليه "Fresh Money" ويتوزّع بين:
- ما تدفعه "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" من رواتب ومُساعدات تُحوّل من خارج لبنان - وهنا يُسجّل لسفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية أشرف دبور، رفضه أنْ تُسلّم قيمة هذه الحوالة من قِبل
المصارف بالليرة اللبنانية، على أساس سعر الصرف 1507 ليرات لبنانية، بل أنْ تُدفع إلى مُستحقها بالدولار، وهو ما ساعد الكثيرين على مُواجهة الظروف المعيشة الصعبة.
- أُسِر شهداء وجرحى الثورة الفلسطينية.
- رواتب المُوظّفين والعاملين في وكالة "الأونروا".
- المبالغ التي تُصرَف من قِبل "صندوق الضمان الصحي الفلسطيني"، والفصائل والهيئات والجمعيات والعاملين في الوسط الفلسطيني.
- تحويلات الفلسطينيين خارج لبنان، الذين يكدّون في لهيب الخليج وإفريقيا وصقيع أوروبا وأميركا والدول الأجنبية، ويرسلون أموالاً إلى ذويهم.
- رجال الأعمال والمُؤسّسات والشركات التي يعمل أصحابها في البناء والتجارة وتفعيل اليد العاملة.
هذه المبالغ التي تفوق شهرياً بشكل ثابت 25 مليون دولار أميركي، تُحرِّك العجلة الاقتصادية، لأنّها تُنفَق في لبنان، فضلاً عن اقتصاديات أخرى تُساهِم في الإنتاج المحلّي اللبناني.
في قرارات الصرف وفق اعتبارات المصرف المركزي، يُعامِلون الفلسطيني كأجنبي!
أما إذ حاول الفلسطيني سحب مبلغ مالي من حسابه المصرفي، فإنّه لا يُسمَح له السحب، إلا كما يتم التعامل مع المُواطن اللبناني!
كيف هي ازدواجية التعامل في الآن ذاته؟!
هكذا صيف وشتاء على سطح واحد، كما هو واقع حال التعامل مع القضية الفلسطينية!
الإنسان عليه واجبات وله حقوق...
الواجبات يلتزم بها الفلسطيني، الذي وُلِدَ وترعرع في لبنان، وحريص على أمنه واستقراره وازدهاره واحترام سيادته كاملة، والتزام الدستور والقوانين اللبنانية، ومُنحاز إلى لبنان في مُواجهة المُحتل الإسرائيلي والإرهاب.
لكن أين هي الحقوق التي كفلتها القوانين والمواثيق والمُعاهدات الدولية التي يلتزم بها لبنان، والشرائع السماوية التي لكل الأنبياء والرسل أثره في مهد الرسالات السماوية، فلسطين؟!
لمُعالجة جذرية
مطلوب مُعالجة جذرية لواقع الوجود الفلسطيني في لبنان، ولمرّة واحدة، باعتماد مُصطلح التعريف كما عرّفته "الرؤية اللبنانية المُوحّدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان"، الصادرة في العام 2017، عن
"لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني" في الفقرة 12: "كل فلسطيني هُجِّرَ إلى الأراضي اللبنانية منذ عام 1947 بسبب عمليات الاقتلاع، وما رافقتها من أشكال التهجير القسري، وما تلاه من احتلال إسرائيلي لكامل فلسطين عام 1967 وتداعيات ذلك، وكل مُتحدّر من لاجئ فلسطيني في لبنان بالمعنى المُحدّد أعلاه".
اللاجئون الفلسطينيون مُسجّلون في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية، ووكالة "الأونروا"، وفي التعديل المُتعلّق بفقرات من المادّتين 128 و129، الذي أقرّه مجلس النوّاب اللبناني، وصدر بتاريخ 24 آب/أغسطس 2010، في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان، لامس نقطة رئيسية، وهي: "استثناء اللاجئ الفلسطيني من شروط المُعاملة بالمثل"، على اعتبار أنّهم يُقيمون قسراً في أماكن تواجدهم، ولديهم وطن مُحتل.
إنصاف الفلسطيني مُمكن، إلا إذا لم تصفوا النوايا، وخير ما عبّر عن ذلك أحد القيادات السياسية اللبنانية المُخضرمة، خلال لقاء معه، اختصر ما تُعبّر عنه القيادات اللبنانية على مُختلف مشاربها، في دعم القضية الفلسطينية، من كلام معسول، بأنّ كُثُراً منهم يُعنون المُواجهة مع المُحتل الإسرائيلي وإقامة الدولة
الفلسطينية والعودة، وليس منح الحقوق للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لأن الأحاديث في الصالونات وعلى المنابر غيرها على أرض الواقع بالقرارات في مجلس الوزراء والنوّاب.
نصٌّ لمُعاملة الفلسطيني
مطلوب وضع آليات لتنفيذ ما أُقِرّ، وإنْ لم تكن بحاجة إلى آليات، ليُصار إلى التنفيذ.
وأنْ يتم اعتمادٌ واضحٌ وبنصٍّ صريحٍ لمرّة واحدة: "يُعامل اللاجئون الفلسطينيون المُسجّلون لدى وزارة الداخلية كاللبنانيين في جميع ما نصّت عليه القوانين والأنظمة النافذة المُتعلّقة بحقوق العمل والضمان الاجتماعي والتجارة والملكية العقارية والتعليم والصحة وغيرها من الحقوق الإنسانية، مع احتفاظهم بجنسيتهم حفظاً لحقهم بالعودة لديارهم الفلسطينية، ورفضاً للتوطين، ويُستثنون من الانتخابات النيابية (ترشيحاً وتصويتاً)، ومن الوظائف في القطاع العام".