يستمّر التهويل الإعلامي والنفسي والمَعنوي على اللبنانيّين، عبر رمي الأخبار عن إحتمال إفلاس الدولة اللبنانيّة، وبالتالي عن إحتمال التوقّف عن دفع رواتب القطاع العام تارة، وعن عدم سداد دُيون الدولة لصالح المصارف لا اليوم ولا غدًا، ما سيُقود تلقائيًا إلى إفلاس هذه الأخيرة وضياع أموال المُودعين. لكن كلّ هذه الأقاويل تُصنّف في خانة الإشاعات المُغرضة وغير الصحيحة، أو حتى في خانة التضليل الكاذب لغاية في نفس يعقوب. فالدولة اللبنانيّة التي يُجمع الرأي العام على أنّها مَنهوبة ومَسروقة، غير مُفلسة، والأدلّة على ذلك مَلموسة، وهذه عيّنة منها:
أوًّلاً:تملك الدولة اللبنانيّة أراض وعقارات ضخمة ومبان مُتعدّدة، وحتى اليوم لم يقم أحد بإحصاء هذه الأملاك والعقارات والمباني بشكل دقيق، لتحديد قيمتها الفعليّة، علمًا أنّ بعضها مُهمل ومتروك، في الوقت الذي يتمّ فيه إستئجار مراكز ومواقع من القطاع الخاص لصالح القطاع العام! فالدولة تستطيع بيع أيّ من هذه المُمتلكات في حال دعت الحاجة، أو يُمكنها على الأقلّ تأجيرها أو منح إستثمارات زمنيّة لها، في مُقابل الحُصول على أموال نقديّة هي بأمسّ الحاجة إليها حاليًا.
ثانيًا: تُغطّي الأملاك العامة التابعة للدولة اللبنانيّة نحو 60 % من إجمالي مساحة لبنان، وهي تتوزّع على عشرات آلاف العقارات في مُختلف المناطق الساحليّة والجبليّة. وإذا كان من الطبيعي عدم المسّ بالطرقات والأحراج والمحميّات والمناطق الأثريّة والمراعي والأنهر، إلخ… فإنّه يُمكن إستثمار الشواطئ البحريّة، والتصرّف بجزء من المشاعات البلديّة، وبالأراضي المَتروكة (أي تلك التي لم يرثها أحد) وبالأملاك المَحجوزة من قبل الخزينة، إلخ...
ثالثًا: تملك الدولة اللبنانيّة مجموعة من المرافق والأصول المُصنّفة رسميّة، على غرار مؤسّسات الكهرباء والمياه والإتصالات (أوجيرو)، والمطارات(بيروت وريّاق والقليعات) والطائرات (شركة طيران الشرق الأوسط)، وكازينو لبنان وإدارة حصر التبغ والتنباك، إلخ. وهي كلّها مؤسّسات قابلة لتحقيق الكسب الوفير، في حال إدارتها بشكل سليم خال من الفساد والهدر، وبشكل بعيد عن الصفقات والتسويات السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة.
رابعًا: يُعتبر لبنان من بين الدول العشرين الأولى على مُستوى العالم أجمع، إستحواذًا على الذهب. ويُقدّر مخزونه في هذا السياق بأكثر من 285 طُنًّا، بقيمة مادية تبلغ نحو 16 مليار دولار أميركي (تتغيّر صُعودًا ونزولاً تبعًا لحركة مبيع الذهب في العالم).
خامسًا: في حال عدم إزالة التعدّيات المَبنيّة على الأملاك البحريّة وعلى خُطوط سكك الحديد التابعة للدولة، تستطيع هذه الأخيرة فرض رُسوم تشغيلية كبيرة على مُستخدمي أملاكها بغير وجه حقّ، وُصولاً إلى بيعها في حال كان هناك منفعة مالية من ذلك. وبالتالي، إنّ مُطلق أي مشروع سياحي موجود بشكل مُباشر على شاطئ البحر، ويستحوذ على الشاطئ الرملي أو الصخري التابع للدولة، يُمثّل تعديًا على أملاكها، يجب مُعالجته إمّا بإزالة المُخالفة فورًا وبإرغام المُخالفين على دفع عطل وضرر عن سنوات التشغيل، وإمّابمنحهم رخصًا إستثماريّة تُدرّ أموالًا مُحقّة على خزينة الدولة.
وإنطلاقًا ممّا سبق، يجب التوقّف فورًا عن الحديث عن الخسائر، وعن كيفيّة توزيعها، وتغيير الخطط المُسمّاة إصلاحيّة وإنقاذيّة، من ذهنيّة إحصاء الخسائر ومُناقشة الجهة أو الجهات التي ستتكبّد وزرها، إلى ذهنيّة الإستثمار الناجح والصفقات المُربحة لأملاك الدولة، من دون بيعها، أي عن طريق التأجير والرهن ومنح الإستثمارات، إلخ.
في الختام، إنّ قانون العُقوبات اللبناني يتضمّن سلسلة من البُنود التي تتحدّث عن الإفلاس الإحتيالي، وعن الإفلاس التقصيري، وهي جرائم يُعاقب عليها القانون. وعلى الرغم من أنّ هذه الأحكام تتناول التُجّار حصرًا، فإنّها تصحّ مَعنويًا على كل من يُهوّل بإفلاس الدولة، لأنّ هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق–أقلّه في المدى المنظور. من هنا، من الضروري الإبتعاد عن إبتزاز المُودعين بأموالهم في المصارف، والتوقّف عن تخويف العاملين بالقطاع العام برواتبهم، والعمل على إطلاق خُطة إنقاذيّة وإصلاحيّة فعليّة تتيح للدولة جني الأموال اللازمة للبدء بمسيرة النهوض التدريجي، وعدم التعويل حصرًا على المُساعدات الخارجيّة التي قد تتأخّر، وربّما لا تأتي أبدًا!.