منذ حوالي 4 عقود، استدانت دولة الكويت مبلغا كبيرا من المال من مؤسسة كهرباء لبنان، التي كانت المؤسسة الأنجح والأثرى في الجمهورية اللبنانية، ولكن في السنوات الماضية، تم تفريغ وتفشيل المؤسسة، بغية الوصول الى اللحظة الحاسمة التي تفتح باب الخصخصة، التي تعني تخلي الدولة عن "منجم" الذهب الكهربائي للشركات الخاصة، والتي أظهرت التجارب أنها ستكون موزعة على الاحزاب والطوائف، تماما كما هو حال التعيينات الأخيرة التي أقرتها الحكومة في مؤسسة كهرباء لبنان.
لم يطّلع الرأي العام على السير الذاتية للمتقدمين الى منصب عضوية مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، لا الناجحين ولا الراسبين، حتى أن هوية الذين تقدموا للوظيفة لم تُعلن، حتى النتائج لم تخرج للعلن، وتم إضافة أسماء على الأسماء المتقدمة، وهذه الأسماء عادة ما تحظى بالاولوية كما اعتاد اللبنانيون، عملا بالقاعدة التالية: "اللبناني يريد، والامتحان يريد، والمسؤول يختار من يريد"، كذلك تم تجاهل قانون التعيين الذي أقره مجلس النواب مؤخرا، إنما هذا كله أصبح من الماضي كون الأسماء أصبحت أمرا واقعا بعد تعيينها رسميا في الحكومة، لذلك سننتقل بالبحث الى مكان آخر هو "نية خصخصة الكهرباء".
في العام 2002 صدر القانون رقم 462 والمتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء، والذي ينص على إنشاء الهيئة الناظمة للقطاع وتخصيصه، ولكن لاجل تمرير الخصخصة، كان لا بد من توفير الظروف الملائمة، التي تتضمن، بحسب مصادر مطلعة في مؤسسة كهرباء لبنان، فشل المؤسسة تحت إدارة الدولة، بتقديم ما يلزم، وهذا الفشل كان محتوما بظل وجود إدارة سياسية مصممة على فشل المؤسسة، وهو ما سنستعرضه في اكثر من جزء، لعدم قدرة جزء واحد على عرض ما حصل.
يحمّل اللبنانيون مؤسسة كهرباء لبنان مسؤولية الفشل، ولكنهم يتناسون وجود إدارة سياسية للقطاع عملت طوال السنوات الماضية على إغراق مؤسسة الكهرباء بغية تخفيض ثمنها يوم خصخصتها. وفي هذا السياق تشير المصادر عبر "النشرة" الى أن ما لا يعلمه الجميع هو أن أولا، إقامة معامل الإنتاج هو مسؤولية السلطة السياسية، ولم تنجزها، بل أرهقت المعامل الموجودة، واختلفت على مواقع المعامل الجديدة، واستعانت ببواخر الطاقة، ثانيا إن إجراء وإعداد وتوقيع عقود شراء الفيول من مسؤوليتها ولم تُنجزها بطريقة شفافة ومضمونة، بل عملت على شراء أنواع من الفيول الثقيل، ثالثا تطوير شبكات النقل لم تُنجز، رابعا مهمة منع التعديات والسرقات لم تُنجز، وهي تحتاج الى قرار سياسي، حتى أن السياسيين تمنّعوا عن دفع فواتيرهم الباهظة، خامسا، تم العمل على تفريغ المؤسسة من الموظفين، اذ ينص النظام على حاجتها الى 5020 موظف، بينما يعمل فيها اليوم 1560 فقط، والامتناع عن التوظيف هذا، فتح باب التعاقد لتسيير الأعمال وتحديدا اصلاح الأعطال والجباية.
وتضيف المصادر: "لا تنتهي هنا مسؤولية السلطة السياسية، فهي من امتنعت عن صيانة المعامل، وتشغيلها على الفيول الثقيل بينما هي مصمّمة للعمل على الغاز، ما جعل قدرة المعامل على الإنتاج تنخفض"، مشيرة الى أن الاهم من هذا كله هو الخسائر التي تعمدت السلطة السياسية وقوع المؤسسة فيها جرّاء كلفة الإنتاج وسعر المبيع.
تتكلف مؤسسة كهرباء لبنان ما بين 190 الى 220 ليرة لبنانية لإنتاج كيلو وات واحد، بينما تبيعه الى المواطن، بحسب قرار السلطة السياسية، بمعدل وسطي ما بين 98 ليرة و120 ليرة، أي أن خسارة المؤسسة تبلغ من 70 الى 100 ليرة في كل كيلو وات، وهنا لا تنظر السلطة السياسية الى هذه الخسارة كدعم من الخزينة للناس، بل تحمّلها لكهرباء لبنان، تحت عنوان "عجز الكهرباء".
في العام 2006 تعرضت منشآت مؤسسة كهرباء لبنان الى عدوان اسرائيلي، فقامت الدولة بتصليح الدمار من أموال المساعدات، وسجلتها على حساب مؤسسة الكهرباء، لتزيد خسائرها، رغم أن واجب الدولة تحمّل الكلفة عندما يكون الضرر على منشآت الكهرباء سببه عدوان خارجي. هذا ليس كل شيء... فماذا بعد؟.