استكمالاً لمعادلة: "لن نجوع... وسنقتلك"، التي كان قد تحدث عنها في خطابه الماضي، جاءت كلمة أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله الأخيرة، بعد أن تحول الهم المعيشي إلى الشغل الشاغل لجميع المواطنين، الأمر الذي يتطلب التعاون بين جميع الأفرقاء، مجدداً التأكيد بأن مخاطر الانهيار لا تتهدد فئة أو منطقة معينة بل تعني الجميع، ما يفرض أن تكون المعالجة وطنية.
في هذا السياق، كان السيد نصر الله واضحاً بعدم رغبته للدخول في المزيد من السجالات، من خلال التأكيد بأن التوجه شرقاً ليس الهدف منه تغيير وجه لبنان الاقتصادي أو إدارة الظهر للغرب، لافتاً إلى أن الحزب لا يرفض التعاون مع أي جهة، باستثناء إسرائيل، حتى مع الولايات المتحدة، المُصنفة من وجهة نظره كعدو، ولا يريد أن يفرض أي نموذج على اللبنانيين، بعد الانتقادات التي كان قد تعرض لها الخطاب السابق.
على الرغم من ذلك، جدد السيد نصر الله التأكيد على ضرورة الانتقال من مرحلة الانتظار الفعلي، وبالتالي المبادرة إلى فتح المزيد من المسارات، بدل الاكتفاء بانتظار نتائج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تحت عنوان البحث عن كيفية منع الانهيار والجوع، أي تأمين مقومات الصمود، ثم البناء على ذلك للخروج من الأزمة الاقتصادية بشكل عام، والعمل على تحويل التهديد الحالي إلى فرصة.
في هذا الإطار، استفاد أمين عام "حزب الله" من التطورات التي حصلت على مستوى المفاوضات مع الجانبين الصيني والعراقي، في الأيام الماضية، بعد أن أكدت سفارة بكين في بيروت استعداد الشركات الصينية للاستثمار في لبنان، في حين أرسلت بغداد وفداً وزارياً إلى بيروت، داعياً المسؤولين إلى المبادرة أكثر في هذا المجال، بعد أن أثبت رد الفعل الأميركي الغاضب، على لسان مختلف المسؤولين، على الخيار الصيني أنه مفيد وجدي ويخرج لبنان من دائرة الحصار، في حين يبقى المسار الإيراني قائماً، بالنسبة إلى شراء المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية.
من الناحية العملية، لم تتضمن الكلمة أي جديد على المستوى الاقتصادي، باستثناء إعلان "المقاومة الزراعية والصناعية"، عبر دعوة اللبنانيين لخوض معركة إحياء القطاعين لمواجهة الجوع والبقاء على قيد الحياة بكرامة، وإعلان ما يشبه التعبئة العامة في أوساط جمهور الحزب في هذا المجال، من دون أن تتضح الكيفية التي سيخوض فيها هذه المواجهة، التي ألمح إلى النصر فيها، كما حصل في معركة التحرير من الاحتلال الإسرائيلي وفي المعركة مع الجماعات التكفيرية، الأمر الذي من المفترض أن تتضح معالم هذه المواجهة في المرحلة المقبلة.
في المقابل، كان من الواضح أن الأمين العام لحزب الله يريد أن يوجه رسالة إلى الإدارة الأميركية، بعد السجال الذي رافق مواقف السفيرة في بيروت دوروثي شيا والقرار الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح، معلناً أن كتلة "الوفاء للمقاومة" ستتقدم بعريضة لوزارة الخارجية والمغتربين، للمطالبة باستدعاء السفيرة الأميركية ودعوتها للالتزام بالاتفاقيات الدولية، لكن الأهم هو التأكيد بأن الخيار الأميركي بحصار "حزب الله" لن يدفعه إلى الاستسلام، بل سيضعف حلفاء واشنطن ونفوذها ويقوي حلفاء الحزب ويدفع إلى أن يكون ضمن هذا المحور.
من حيث المبدأ، هذه الكلمة ستكون، كجميع إطلالات السيد نصر الله، مدار أخذ ورد في الساعات المقبلة، لا سيما من قبل القوى المعارضة له في لبنان، خصوصاً بعد أن أعاد توجيه البوصلة نحو الإجراءات الأميركية، التي على ما يبدو يريد الحزب أن يعطيها الأولوية في الموقف السياسي، بالتزامن مع التفكير في الخيارات الأخرى التي تعزز موقعه في المواجهة، بعد أن لمس حجم غضب واشنطن من الطروحات التي قدمها في الماضي، وبالتالي هو سيسعى إلى تعزيزها بشكل أكبر عبر الحكومة الحالية التي بدأت في الإجراءات اللازمة على هذا الصعيد.
في المحصلة، المعادلة الأساسية في هذه الكلمة كانت التركيز على معالجة الشق الآني من الأزمة، الذي يكمن بالضغوط الأميركية، من دون التطرق بشكل موسع إلى الشق الأول المتعلق بالفساد الداخلي، التي سبق أن أكد السيد نصر الله أن لـ"حزب الله" أسلوبه الخاص في مقاربته، على أن تكون الأيام المقبلة كفيلة في إظهار الإجراءات العملية التي سيعتمدها في المواجهة التي يسعى فيها إلى منع الوصول إلى مرحلة الجوع والانهيار.