تتعمّق أزمة لبنان ساعة بعد ساعة. يجرّ ضعف العملة الوطنية أمام الدولار تداعيات سلبية على كل المستويات. لا يقتصر الأمر على إرتفاع سعر المواد الغذائية والاستهلاكية والبضاعة المستوردة، بل يطال الغلاء الإنتاج اللبناني لأن دورة الإقتصاد الداخلي مربوطة بعملة الدولار.
يشعر اللبنانيون بآلام الأزمة القائمة في كل إتجاه. بمجرد التجول في بيروت يلمس المرء حجم الصعوبات التي يمر بها لبنان: لا إضاءة على الطرقات ولا إشارات سير في معظم الشوارع والأوقات . تبدو بيروت حزينة رغم محاولة أبنائها إجتياز الأزمة، لكنهم يصطدمون بواقع سلطوي مآساوي. إذا كانت وزارة الإقتصاد تحاول أن تبتكر حلولاً من خلال دعم السلع الغذائية وإختراع وسائل للصمود المعيشي، الاّ أن التعاطي الرسمي مع ملف المحروقات أربك الناس والقطاعات. بدأت القصة مع مقاربة الحكومة لملف "سوناتراك" بطريقة خاطئة فرضت إعادة التصحيح الوزاري في وقت لاحق: لماذا يدفع اللبنانيون ثمن الخطاب الشعبوي الذي قاد مسؤولين واعلاميين وقضاة الى محاكمة شركات نفط اعلامياً ليتبيّن بعدها الا وجود لمخالفات في ملف الفيول؟ طُوي الملف من دون ان يعترف أحد للرأي العام أن الحكومة أخطأت في مقاربة هذا الملف، ومن دون وجود بدائل، فدفع اللبنانيون تعويضات مالية لقاء أخطاء المسؤولين في قرار تجميد الفيول المطابق للمواصفات في باخرة أُوقفت أسابيع عدة في عرض البحر، وعادت الحكومة لتطالب الشركات نفسها بإستيراد النفط من "سوناتراك".
يحل الآن البطء في تحويل الإعتمادات المالية ليزيد من حجم الأزمة، فيقع لبنان في أزمة محروقات حاولوا أن يرموا كرة المسؤولية فيها على تهريب النفط إلى سوريا. المشكلة هي في الجمود المالي الحاصل، الذي بدأ يُفرغ السوق اللبناني من المازوت. بدأت اصوات المزارعين ترتفع جراء عدم تأمين الكهرباء ولا المازوت لزوم ضخ المياه لري المزروعات. لا تحتمل الزراعات تأخيراً ولا تقصيراً في فصل الصيف. لا بل إن أزمة المحروقات طالت سائقي الشاحنات التي تحمل الإنتاج الزراعي من لبنان إلى الأردن عبر سوريا، ومن المملكة الهاشمية نحو الخليج. لا يمكن التفرج على صرخة السائقين الذين يعانون من مشاكل إضافية نتيجة إجراءات السلطات الأردنية بحق الشاحنات اللبنانية.
بدأت ايضاً المستشفيات تشهد بداية أزمة بانت في مستشفى بيروت الحكومي الذي غاب عنه التبريد في بعض الأقسام في الساعات الماضية، بينما جرى إرجاء عمليات بسبب إنقطاع التيار الكهربائي وعدم القدرة على تأمين مازوت للمولدات الكهربائية.
تتسع تداعيات الأزمة لتطال قطاع النقل البري. فلم يعد بمقدور السائقين العموميين على تحمل اعباء تكاليف سياراتهم: غلاء قطع الغيار، ارتفاع اسعار الزيوت والفرامل وغيرها من حاجيات ضرورية للسيارات، في وقت لم تعد التعرفة تفي بمتطلباتهم المعيشية. هنا الأزمة الحقيقية: لا يستطيع المواطن تحمل رفع التعرفة، ولا يوجد وسائل نقل عام كما في سائر دول العالم، فلم يعد للبنانيين وسيلة الاّ الرجوع الى الحيوانات لإعتمادها في التنقل بعدما ظهر في الأرياف "التكتك" أي الدراجات النارية المجهزة لحمل راكبين في عربة خلف السائق. وهي وسيلة تستخدم في باكستان وأفغانستان ودول إفريقية فقيرة.
لن تقف العودة اللبنانية الى القرن الماضي عند هذا الحد، بل تبدو ايضاً من خلال الرغبة بإستحضار الحمام الزاجل لإستخدامه في نقل الرسائل، بعدما تعطّلت محطات الخليوي في عدد من المناطق نتيجة غياب مادة المازوت. ماذا بعد؟ إلى أين؟ سؤالان لا جواب لهما عند أحد، لكن المطلوب إجراءات حكومية عملية لا اجتماعات شكلية لم تُثمن ولم تُؤمن لا مازوت ولا إتصالات ولا أولويات اللبنانيين.