بات من المسلَّم به أن لا تغييراً حكومياً في المدى المنظور، وأن المناخات السياسية التي سادت الأسبوع الفائت والتي حملت معه ملامح استقالة الحكومة أو إجراء تعديل وزاري قد تلاشت، ليحل محلها القرار بإعطاء هذه الحكومة جرعة دعم هي بحاجة إليها لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية الضاغطة.
ما من شك أن قرار التغيير الحكومي في بحر الأسبوع الفائت كان على قاب قوسن أو أدنى من اتخاذه، غير أن هذا القرار اصطدم بجدار عالٍ يتعلق بالبديل الذي سيخلف الرئيس حسان دياب، وكذلك التفاهم على شكل الحكومة التي ستحل محل الحالية، وبين هذا وذاك فضل أهل القرار إبقاء الأمور على ما هي عليه والذهاب باتجاه تفعيل عمل الحكومة خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية والمالية بلغت أعلى مستوى لها من السوء والانهيار.
صحيح أن الضغوطات الخارجية والداخلية على الحكومة كبيرة جداً، وأن المناخات التي تعمل بها هي مناخات ضبابية لا بل سوداوية، لكن على ما يبدو هناك إصرار واضح بالمحافظة على الحكومة الحالية مهما كان الثمن، لأن البدائل عن ذلك مكلفة، لا بل غير متوفرة، وقد أجمعت مختلف القوى السياسية على أهمية إعادة ضخ الاوكسجين في عروق الحكومة وتسهيل مهمتها الإصلاحية لتجنب الوقوع في الفراغ السياسي المميت، ومن هنا كان التفاهم الذي حصل على معالجة مشكلة الكهرباء بالأمس كونها هي المشكلة الأساسية التي استنزفت خزينة الدولة على مدى عشرات السنين، وباتت معالجتها من الشروط الأساسية التي يفرضها المجتمع الدولي لتقديم أي مساعدة.
«السراي الكبير» قررت الولوج في إصلاحات تطمئن الداخل وتلبي مطالب الخارج
وفي المعطيات المتوافرة أن الحكومة ذاهبة بعد تجاوز مشكلة مجلس إدارة الكهرباء الی التجاوب مع النصائح الدولية المتكررة، لا سيما الفرنسية منها لإنجاز رزمة إصلاحات من شأنها أن تحدث متغيرات في المواقف الدولية المتصلبة تجاه مساعدة لبنان، ويتوقع أن يؤدي ذلك الى دفع بعض الدول المانحة في اتجاه تقديم مساعدات ولو بالحد الأدنی للبنان لفرملة الانهيار الحاصل على المستويين الاقتصادي والمالي.
وفي تقدير مصادر سياسية متابعة أن «الهزة» التي تعرّضت لها حكومة الرئيس حسان دياب خلال الأيام العشرة الماضية، ستفرض على الحكومة إحداث تغيير ما في أدائها من شأنه أن يبعث الاطمئنان لدى الرأي العام اللبناني وكذلك المجتمع الدولي، خصوصاً وأن القوى الفاعلة في الحكومة بعثت بإشارات واضحة إلى السراي الكبير مفادها بأنها مستمرة في دعم الرئيس دياب، والوقوف إلى جانبه في التصدّي للضغوطات التي يتعرّض لها من داخل لبنان ومن خلف البحار، لكن هذه الإشارات حملت أيضاً رغبة واضحة بضرورة إحداث نقلة نوعية على مستوى الإصلاحات المطلوبة التي كانت وعدت بتحقيقها في بيانها الوزاري، وهذا إن حصل سيشكل انعطافة مهمة في اتجاه معالجة الأزمات المفتوحة من جهة، ومن جهة ثانية استعادة الثقة الدولية التي ما تزال مفقودة وبسببها تحجب المساعدات عن لبنان.
وتتوقف المصادر عند ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد لقائه أمس الأوّل في عين التينة السفير الكويتي عبد العال القناعي، حيث أمل بخير قريب، حيث أن هذا الكلام يعكس ما يملكه رئيس المجلس من معلومات حول اتصالات تجري مع دول خليجية لا سيما الكويت وقطر، بهدف تقديم مساعدات مالية للبنان، وأن هذه الاتصالات قطعت شوطاً مهماً في اتجاه الحصول على أموال لن تصل إلى حد انتشال لبنان من القعر، ولكنها تساعده على الصمود في مواجهة هذه الأزمة، وهذا الشيء إن يحصل يشكل خطوة نوعية، خصوصاً وأن هناك ضغوطاً دولية وتحديداً أميركية بغية حجب أي مساعدات عن لبنان أقله في هذه المرحلة.
وبحسب المصادر فإن الحكومة لن تبقى في حالة الانتظار وهي بدأت تتحرك في اتجاه اتخاذ الخطوات اللازمة لضبط ارتفاع الوضعين الاقتصادي والمالي، وأن أولى الخطوات بدأت بالمحادثات التي أجريت مع الوفد العراقي الذي زار لبنان على قاعدة «علّ الترياق يأتي من العراق» من دون أن يعني ذلك إغفال استمرار التواصل مع المجتمع الدولي بغية الخروج من هذه الأزمة، مع العلم المسبق بأن الأميركيين يضغطون بشكل فاقع لعدم حصول لبنان على أية مساعدات مالية وغير مالية في ظل المعادلة الحكومية الموجودة، لذا فإن واشنطن ومعها بعض الدول الأوروبية تحاول الاتيان بحكومة جديدة يكون «حزب الله» بعيداً عنها وغير مؤثر في قرارها، وهذا الأمر يزيد الأمور تعقيداً كون أن مثل هذه الأفكار يستحيل تحقيقها في التركيبة السياسية والنيابية الموجودة في لبنان، فحزب الله لديه المساحة الشعبية الواسعة على مساحة لبنان، كما أن لديه كتلة نيابية وازنة في البرلمان لا يُمكن لأي عاقل تجاهلها.
وأمام هذا الواقع يبدو أن الحكومة قررت الولوج السريع في تحقيق الإصلاحات التي تبعث الإطمئنان في الداخل، وتلبي مطالب صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي من أجل إطلاق سراح المساعدات المطلوبة للبنان وإعادته الى حياته الطبيعية وإن استغرق ذلك بضع سنوات.