لا نحتاج الى شرح مستفيض لأجل الحديث عن كيفية تفليس مؤسسة كهرباء لبنان على مدى السنوات السابقة، ولعلنا في المقال السابق بعنوان "هكذا خُطّط لإرهاق مؤسسة كهرباء لبنان وتفليسها... بهدف خصخصتها بأبخس الأثمان" قد أشرنا بما فيه الكفاية الى مسؤولية السلطة السياسية بإضعاف المؤسسة، وتفريغها من الموظفين، والامتناع عن إنشاء المعامل، واعتماد عدم الوضوح بعقود شراء الفيول، وحرمان المؤسسة من مجلس إدارة يديرها على مدى أكثر من 9 أعوام، وفي هذا المقال سنتطرق قليلا الى الحديث عن الخصخصة ومصير موظفي مؤسسة كهرباء لبنان.
لم يُنفّذ القانون 462 رغم مرور 18 عاما على إقراره، وفي السنوات العشر الأخيرة، برزت معارضة التيار الوطني الحر الذي استلم وزارة الطاقة في العام 2009، ولا يزال، لهذا القانون، واعتبر أنه لا يُمكن تنفيذه كما هو، بل يحتاج الى تعديلات أساسية، يُراد منها بحسب التيار تطوير الهيئة، وبحسب معارضي سياسة التيار الوطني الحر في الكهرباء، سحب الصلاحيات منها لإبقائها بيد الوزير. اليوم طُرحت التعديلات على القانون، وشُكّلت لجنة وزارية تضم نائب رئيس الحكومة ووزراء الزراعة والطاقة والمال والاقتصاد، وستجتمع هذه اللجنة اليوم في السراي الحكومي، لكي تناقش التعديلات.
وفي هذا السياق تكشف مصادر مطّلعة في مؤسسة كهرباء لبنان ان التعديلات المقترحة على القانون تسعى لإلغاء دور الهيئة الناظمة للقطاع، وجعلها هيئة استشارية تقدم المقترحات والآراء، ويبقى للوزير امر البتّ بها، وهذا ما يتعارض مع أصل القانون واهدافه، مشيرة الى أن من التعديلات أيضا ما يتعلق بمصيرمستخدميمؤسسةكهرباءلبنان، وهذا ما سنشير إليه بنهاية لاحقا.
الى جانب هذه التعديلات تبرز نيّة القيّمين على الطاقة، خصخصة القطاع، أو تشركته، كما ينص عليه القانون 462، وعندما تُطرح الخصخصة بقطاع الكهرباء، يرّحب اللبنانيون بها كونهم يرون القطاع "خرابة" بحاجة الى إصلاح وهذا صحيح. ولكن هل يكون الإصلاح ببيع القطاع بثمن بخس، أو بإدخال مزيد من شركات مقدمي الخدمات اليه؟.
تكشف المصادر أن سياسة تفليس القطاعات بهدف بيعها، هي سياسة قديمة مُورست في لبنان، في أكثر من حقبة، وهي تتكرر اليوم بقطاع الكهرباء، فالدولة التي تعمل على استعادة قطاع الاتصالات بعد أن اكتشفت حجم الخسائر التي تنالها، وحجم الأرباح التي تنالها الشركات الخاصة، تُريد تكرار التجربة الفاشلة في قطاع الطاقة، علما أن أي خصخصة تفرض إجراء تقييم دقيق لموجودات وأملاك مؤسسة كهرباء لبنان، وهذا ما لم يحصل لهذه المؤسسة منذ 50 عاما، حيث تم إجراء آخر تقييم دفتري لها.
وتضيف المصادر عبر "النشرة": "املاك المؤسسة تساوي مليارات الدولارات، أراض واسعة شاسعة، شبكات نقل، عواميد ضخمة، معامل، وهذه كلها تساوي اليوم مليارات، فهل يعلم المعنيون حجم المؤسسة الفعلي قبل التفكير بخصخصتها"، مشددة على أن "المشكلة الكبرى، هي أن هناك من يسعى لتكرار تجربة شركات مقدمي الخدمات، على نطاق أكبر، بحيث نكون أمام 9 شركات بدل 4، مع العلم أن هذا المشروع الذي انطلق منذ 7 أعوام، وكلّف الدولة مليار و600 مليون دولار أثبت فشله".
ينتهي عقد شركات مقدمي الخدمات في العام 2021، وذلك بعد تمديده وتجديده مرارا، والهدف الذي انطلق المشروع لأجله، وتم تشركة هذه الشركات مع مؤسسة كهرباء لبنان لأجله، هو خفض الهدر الفني، والتقني، وتحسين الجباية، وتركيب العدادات الذكية، والنتيجة اليوم بحسب المصادر أن الهدر الفنّي ارتفع، والجباية في بيروت مثلا إنخفضت من حوالي 94 بالمئة الى حوالي 89 بالمئة، ويدفع المواطن اليوم فواتير 2018 و2019، ولم يُركّب أي عدّاد ذكي، ورغم ذلك تكلّفت الدولة مليار و600 مليون دولار على المشروع، وفي هذا المبلغ كان يمكن بناء معمل للطاقة.
كان لنا في "النشرة" مقالات كثيرة تتحدث بالأرقام والتفاصيل والمستندات عن فشل شركات مقدّمي الخدمات، بدءا من أدائهم الوظيفي، مرورا بالتسعير التي تختلف بين شركة وأخرى، وصولا لمشاكلهم مع موظفيهم، وبالتالي فإنّ أي عاقل اليوم لن يفكر بتكرار التجربة عبر تشركة شركات أكثر، بل أصبح بحسب المصادر من الواجب التفكير بتفعيل مؤسسة كهرباء لبنان عبر مدّها بالكادر البشري اللازم، والتوجه نحو بناء المعامل لتأمين الطاقة، ورفع الدعم عن سعر الكيلوات بعد تأمين التيار الكهربائي 24 على 24 والانتهاء من "موضة" المولدات، على أن يكون هذا المسار مربحا للدولة وخزينتها، لان قطاع الكهرباء يمكن أن يكون القطاع الأكثر ربحا للخزينة.
ماذا عن الموظفين؟
لا تزال الصورة ضبابية بالنسبة لمصير موظفي مؤسسة كهرباء لبنان بحال الخصخصة، اذ تؤكد المصادر أن نقابة موظفي المؤسسة طلبت من المعنيين الحصول على تفاصيل التعديلات المقترحة للقانون 462، والتي تتعلق بمصيرهم، ولكنها لم تحصل عليها، فعمدت على تجميع ما أمكن من معلومات، قامت على أساسها بالاعتصام والتحذير من "المشروع" المرسوم للمؤسسة.
وتضيف المصادر: "نقابة الموظفين ترفض الخصخصة، وتؤيد بقاء المؤسسة في كنف الدولة، وترفض التعدي على حقوق الموظف الذي امضى عمره في الخدمة، ودخل إليها بامتحانات مجلس الخدمة المدنية، وترفض إعطاء الشركات، التي يمكن أن تستلم القطاع بحال سار المخطط كما تريد السلطة السياسية، حق تشغيل الموظف أو تركه"، مشيرة الى أن تجربة الموظفين الذين عملوا ضمن شركات مقدمي الخدمات كانت تجربة سوداء، ولا نريد لهذا أن تتكرر مع الموظفين الآخرين.
"أسهل الحلول" بيع قطاعات الدولة، ولكن هذا يعني أن النتيجة ستكون مرضية للمواطن، ومربحة للخرينة، خصوصا أن المشتري لن يكون همّه المصلحة العامة، بل الربح، والذي سيذهب لجيوب المسؤولين الذين يتقاسمون الجبنة عبر شركات مقرّبة منهم. أنقذوا مؤسسة كهرباء لبنان وموظفيها قبل فوات الأوان!.