فتحت مواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في عظته يوم الأحد الماضي، الباب أمام حراك سياسي جديد، عنوانه الإلتفاف حول دعوته رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى الحياد وفك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحر من قبل القوى المعارضة، لا سيما حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وتيار "المستقبل"، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى بكركي.
الدعوة إلى حياد لبنان ليست بجديدة، فهي قائمة منذ سنوات طويلة، إلا أن موقف البطريرك الماروني في هذه اللحظة الحساسة، على المستويين المحلي والإقليمي، هو الذي دفع إلى رسم أكثر من علامات إستفهام حولها، نظراً إلى أنها تأتي في ظل أزمة متعددة الأوجه، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
في أوساط القوى التي كانت تنتمي إلى قوى الرابع عشر من آذار، محاولات لتكبير حجم هذه الدعوة عبر تشبيهها ببيان مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، في أيلول 2000، الذي أسّس لولادة لقاء قرنة شهوان في شهر نيسان من العام 2001، وبالتالي سعى إلى أن تكون محطة نحو الإنطلاق إلى مرحلة جديدة في البلاد، تستفيد منها تلك القوى على المستوى السياسي، التي باتت بأغلبها في قطيعة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
هذه الأوساط، تسعى إلى تعميم معلومات عن أن البطريرك الماروني في طور إطلاق مروحة واسعة من الإتصالات المحلية والإقليمية، وبالتالي دعوات إلى ما قد ينتج عنها، في المرحلة المقبلة، مع السعي إلى التأكيد أن مواقفه لن تكون عبارة على الإطلاق، وبالتالي رهان على تكرار تجربة مع حصل مع البطريرك صفير، قبل خروج الجيش السوري من لبنان في العام 2005، وترى أن الواقع المحلي والدولي مساعد في هذا المجال، في ظل الأزمة الإقتصادية التي باتت تهدّد جميع المواطنين.
في المقابل، لدى قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" ما يشبه التحفّظ على الردّ بشكل مباشر على مواقف الراعي، وحتى ولو كان هناك مواقف غير مؤيدة، وبالتالي هناك حرص على عدم الدخول في أي سجال مع سيد بكركي في المرحلة الراهنة، إلا أن الموقف من الدعوة إلى الحياد، لدى قوى الثامن من آذار تحديداً، معروف، حيث تعتبره غير قابل للتطبيق في ظل الأطماع الإسرائيليّة التاريخيّة في لبنان، وبالتالي لا يمكن صرفها على المستوى العملي.
لدى هذه القوى، قناعة بأن هذه الدعوة لن تصل إلى نتيجة، خصوصاً مع وجود تجارب سابقة أثبتت ذلك، كان أبرزها ما بات يعرف بـ"إعلان بعبدا" خلال ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، لكنها لا تستبعد إستغلالها في سياق الحملة، الداخلية والخارجية، التي تخاض ضد "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وبالتالي الإستثمار فيها سياسي من قبل بعض الأفرقاء المحليين والدوليين، إلا أنها تدعو إلى الإنتظار ومراقبة التفاعل معها في الأيام المقبلة، بالرغم من قناعتها بأنها قد تصبح العنوان الأول على المستويين السياسي والإعلامي.
وفي حين يُطرح في هذا المجال علامة استفهام تتعلق بموقف الرهبانيات المارونيّة الحبريّة من دعوة البطريرك الراعي، لا سيمّا إذا ما صُوّرت على أساس أنها موجّهة ضد رئيس الجمهورية، خصوصاً أنها، منذ إنتخاب الرئيس عون، كانت من أبرز الداعمين له، وهي على علاقة قويّة مع الفاتيكان، الذي على ما يبدو سيكون له مبادرة تجاه لبنان، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن الراعي استقبل موفداً من رئيس الجمهورية، بعد عظة الأحد الماضي، في مؤشّر إلى أنّ رئيس الجمهوريّة تلقّف الموقف بشكل إيجابي.
وترى هذه المصادر أن من الطبيعي أن تحصل محاولات إستغلال لموقف الراعي، لأن الإستغلال جزء من العمل السياسي، وهذا "عمل شرعي، لكن ما هو غير منطقي ترك فريق لآخر أن يستغل موقفاً معيناً، وتعتبر أن من يجب أن يستفيد لا يفعل، وتسأل: "لماذا لم تبادر القيادات المسيحيّة بالتوجّه نحو بكركي كما فعلت القيادات السنيّة على سبيل المثال"؟.
على الرغم من ذلك، تؤكد المصادر نفسها أن الراعي لن يكون فريقاً في أي معادلة، لكن من الطبيعي أن يظهر أي موقف، سواء في مجالات السياسة، الإقتصاد والإجتماعي، على أساس أنه ضد العهد، لأن البلد في وضع غير طبيعي، والمسؤولية تقع على عاتق الدولة، التي هي في نهاية المطاف عهداً وحكومة، وتضيف: "ليس في وارد إنشاء قرنة شهوان 2 أو بريستول 2 ولا 14 آذار 2، وهو لا يتدخّل في اللعبة السياسية".