وصل سعر صرف الدولار في السوق الموازية أو ما يُعرف بالسوق السوداء الى حدود 6200 ليرة للشراء، و6000 ليرة للمبيع، عند لحظة كتابة هذا المقال، وذلك بعد أن وصل السعر الى حدود الـ9800 ليرة للدولار الواحد منذ 10 أيام تقريبا، الأمر الذي فتح النقاش مجددا حول الأسباب التي أدت الى هذا الإنخفاض، ما جعلنا أمام عدة سيناريوهات، منها ما يتعلق بالسياسة ومنها ما يتعلق بالإقتصاد.
كما في كل مجال ينشط المحللون اللبنانيون في تفسير الظواهر السياسية والإقتصادية، ولكن الغالبية العظمى من المحللين رأت بأن انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء يعود لعدة عوامل أبرزها: اقتراب بدء العمل بالسلة الغذائية لاستيراد المواد الاولية المتعلقة بصناعة المنتجات الغذائية، مع ما يعني ذلك من انخفاض للطلب على الدولار من السوق السوداء، تخفيف الضغط الأميركي على لبنان، دخول دول عربية على خط المساعدة، كالعراق وقطر والكويت.
بالنسبة الى السياسة فإن كل الاحتمالات واردة، ولكن علميا، فلا يوجد أي سبب لانخفاض السعر، يقول الخبير الاقتصادي وليد بو سليمان، مشيرا في حديث لـ"النشرة"، الى أن السوق السوداء عير منظّمة، وهي اليوم تعاني من نقص في السيولة، مشددا على أن هناك لاعبين كبار يتحكمون بالأسعار في السوق السوداء، وهم يخفضون السعر اليوم لجمع الدولارات ربما.
ويضيف بو سليمان: "نقول أن لا سبب علميا لانخفاض سعر الدولار لأن الأسباب الموجبة التي رفعته لم تتغير او تتبدل، فما يُقال عن دخول المغتربين الى لبنان وتراجع السعر بسببهم، ليس دقيقا فالقدرة التشغيلية للمطار لا تزيد عن 10 بالمئة، كما أن المغتربين لم يصلوا الى لبنان اليوم لبيع دولاراتهم باليوم التالي، كذلك فإن عجز ميزان المدفوعات لم يتغيّر، ولا يزال هناك فجوة بحوالي 4 مليارات دولار بالحد الأدنى لا يؤمنها المصرف المركزي، كما أن الثقة لا تزال مفقودة بين اللبنانيين والدولة والمصارف، ما يعني أن دولاراتهم المكدسة بالمنازل لا تزال فيها، وكل هذه المعطيات تؤكد أن لا سبب علميا لانخفاض سعر الدولار.
يرى بو سليمان أن تقلبات سعر الصرف بالسوق السوداء ستستمر، ولن يكون لدى احد القدرة على تثبيته إلا من خلال معالجة الخلل بميزان المدفوعات، وترميم الثقة، مشيرا الى أن ربط الانخفاض بأمور سياسية لا علاقة له بالعلم والاقتصاد، مشددا على أن الأنظار اليوم متوجهة نحو صندوق النقد لانه الباب الوحيد الذي قد يُعيد الدول المانحة والمشاريع الى لبنان، رافضا أي حديث عما يحكى عن اتفاق بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وجحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أدى لانخفاض سعر الصرف، مشددا على أنه لو كان المصرف المركزي يملك القدرة على ضبط السعر لما كان وصل الى حدود الـ 10 آلاف ليرة.
صحيح أن ميزان المدفوعات في لبنان قد انخفض بنسبة كبيرة، قد تكون بأفضل السيناريوهات 50 بالمئة، ولكن لا يزال هناك مستوردات كثيرة غير خاضعة لأي دعم، وهي تشكل ضغطا أساسيا على الطلب بالسوق السوداء، وهذه الفجوة ستُبقي سعر الدولار بمهب الريح، كذلك سيكون لقرار بعض الصيارفة تعليق قرار تحويل الدولار الى الخارج ارتدادات عكسية على سعر الصرف، اذ علمت "النشرة" أن اللبنانيين الذين يتوجهون للصراف لطلب تحويل 200 أو 300 دولار الى الخارج لدفع راتب العاملة المنزلية، يتلقون جوابا بضرورة الإنتظار حوالي أسبوعين للحصول على الموافقة، ما يعني أن احتمال العودة الى السوق السوداء يرتفع مجددا.
ليس من السهولة بمكان الحصول على جواب واضح بشأن مصير الليرة، خصوصا بظل الضبابية التي تُحيط بالمشهد اللبناني حاليا، فهل يرتفع سعر صرف الدولار أم ينخفض؟.