حدّدت غُرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان قبل ظُهر يوم الجمعة 7 آب 2020، موعدًا لتلاوة الحُكم في جريمة إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، والتي تُعرّف عنها المحكمةبالرمز (STL-11-01) أو "قضيّة عيّاش وآخرين"، على أن يَسبق ذلك جلسة تمهيديّة في القضيّة نفسها ستُعقد يوم الأربعاء في 22 من تمّوز الحالي. فما هي التوقّعات بالنسبة إلى مرحلة ما بعد صُدور الحُكم الذي طال إنتظاره، وماذا سيحصل في لبنان؟.
تذكير سريع أنّ قرار الإتهام في جريمة الإغتيال كان صدر في 28 حزيران 2011، وهو عُدّل لاحقًا مرّات عدّة، بفعل إكتشاف وحُصول مُستجدات مُتصلة بالقضيّة(1)، علمًا أنّ المُحاكمة الدَوليّة كانت قد بدأت في 16 كانون الثاني 2014، وإنتهت المُرافعات الختاميّة في القضيّة في 21 أيلول 2018، بعد أن عقدت المحكمة 415 جسلة رسميّة، وإستدعت 297 شاهدًا، وإرتكزت إلى 5183 مُستندًا، إلخ. إشارة أيضًا إلى أنّ كلاً من فريق الإدعاء والمُمثّلين القانونيّين للمُتضرّرين المُشاركين في إجراءات المُحاكمة (عددهم 70 شخصًا) كانوا أودعوا مُذكّرة مرافعة نهائية خلال المُحاكمة في 13 آب 2018، بينما أودع مُحامو الدفاع عن المُتهمين مُذكرات مرافعاتهم النهائية في 13 آب 2018. بالنسبة إلى التوقعات بشأن الحُكم فأبرزها ما يلي:
أوّلاً: لا يُمكن أن يخرج عن مضمون القرار الإتهامي، حيث أنّ المُتهمين الرئيسيّين في القضيّة بحسب المحكمة هم: سليم جميل عيّاش، وحُسين حسن عنيسي، وحسن حبيب مرعي، وأسد حسن صبرا، وهم ينتمون جميعًا إلى "حزب الله". ولم يُعرف بعد إذا كان الحُكم الذي يستند بجزء كبير منه إلى أدلّة حسّية مُرتبطة بحركة هواتف خلوية إستخدمها المُتورّطون عند تنفيذ الجريمة وإلى أماكن تواجد هؤلاء لحظة التنفيذ، سيكتفي بإدانتهم كأفراد مُتورّطين، أم سيذهب بعيدًا في تحميل مسؤولين آخرين في "حزب الله" أو قيادة "الحزب" نفسه، المسؤوليّة بإصدار الأوامر العُليا للمُنفّذين، مع ترجيح إدانة الأفراد المُتورّطين فقط، والذين تملك المَحكمة أدلّة حسّية ضُدّهم بشكل مُباشر.
ثانيًا: سيتمّ إحالة الحُكم إلى السُلطات اللبنانيّة المَعنيّة، كما حصل عند إحالة قرار الإتهام الأصلي ومُذكّرات التوقيف المُرفقة به في 30 حزيران 2011، بهدف أن تقوم السُلطات التنفيذيّة بالبحث عن المُتورّطين لتوقيفهم. كما يُنتظر إحالة الحُكم إلى مُنظّمة الإنتربول، للغاية عينها. لكن كل المُعطيات الحالية تؤكّد أن لبنان الرسمي سيكتفي بالإشارة إلى عدم قُدرته على إيجاد المَطلوبين المُتورّطين–كما حصل عندما طلبت المحكمة بتوقيف مُتهمين ومُتورّطين في مراحل سابقة، وهو سيرمي بالتالي الكُرة في ملعب المحكمة الدَوليّة مُجدّدًا.
ثالثًا: "حزب الله" الذي لا يعترف بالمحكمة ويعتبرها مُسيّسة، ويتجاهل بالتالي أحكامها، يُنتظر أن يتجاهل مُجدّدًا ما سيصدر في السابع من آب المُقبل، وأن لا يعترف بهويضعه في خانة الضُغوط عليه وعلى لبنان، وفي خانة مُحاولة إحداث الفتنة. وبالتالي، التأثير المُرتقب في لبنان هو مَعنوي وغير تنفيذي، لكن سيكون له إرتدادات سياسيّة وإعلاميّة كبيرة. وكما أنّه لا يُتوقّع أن يخرج موقف "حزب الله" عند إصدار الحُكم النهائي عن مواقفه السابقة عند صُدور قرارات المحكمة الإتهاميّة، فإنّه من المُتوقّع أيضًا أن لا يخرج موقف "تيّار المُستقبل" عن سياق مواقفه السابقة في القضيّة، لجهة الدعوة إلى الإلتزام الهُدوء والعضّ على الجرح والإكتفاء بمعرفة الحقيقة، وذلك لما فيه مصلحة لبنان ومنعًا للإنجرار إلى أيّ فتنة مذهبيّة.
رابعًا: تتمتّع المَحكمة الدَوليّة الخاصة بلبنان التي تنظر في جريمة 14 شباط 2005، وفي جرائم أخرى وقعت في لبنان إعتبارًا من 1 تشرين الأوّل 2004 بشرط ظُهور أدلّة على إرتباط هذه الجرائم والإعتداءات بالقضيّة الأساس بشكل أو بآخر(2)، بصلاحيّة فرض عُقوبات جنائيّة على أيّ سُلوك يُعرقل سير العدالة أو يُهدّد سلامة الإجراءات القضائيّة. ويُمكن بالتالي بعد حين، أن يتعرّض المُدانون في الحُكم ومن يقف وراءهم، لجملة من العُقوبات، في حال إستمرار رفضالتعاون مع المحكمة وتنفيذ قراراتها، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الخناق الدَولي على "حزب الله".
خامسًا: لا شكّ أنّ العراقيل التي وضعها المُتضرّرون من أن تكشف المحكمة الحقيقة، أمامها، بدءًا بعرقلة إنشائها، مُرورًا بعرقلة عملها الميداني ومُحاولة وقف تمويلها وتخويف الشُهود فيها، وُصولاً إلى إغتيال ومُحاولة إغتيال المسؤولين الأمنيّين الذين عملوا على تفكيك شيفرة الأدلّة وربطها ببعض، نجحت في تأخير صُدور الحكم 15 عامًا كاملاً! وهذه الفترة الزمنيّة الطويلة، والمليئة بالمُتغيّرات السياسيّة والأمنيّة في لبنان والمنطقة، أفقدت الحُكم زخمه ووقعه، وأدخلت اليأس إلى نُفوس المُهتمّين بكشف الحقيقة، بحيث لن يبقى سوى الوقع المَعنوي.
سادسًا: الحُكم قابل للطعن نظريًا، ما يعني إمكان تضييع المزيد من الوقت في البحث عن الحُكم النهائي والمُبرم، وما يعني أيضًا أنّ الملف سيبقى ورقة تجاذب بيد دُول كبرى قادرة على فرض العُقوبات تحت مظلّة عدم تنفيذ قرارات صادرة عن هيئات دوليّة.
في الختام، لن تحصل في لبنان أيّ فتنة عند صُدور الحكم، لكن طبعًا سيضيف مَضمون الحكم شرخًا كبيرًا إلى إنقسامات المُجتمع اللبناني الكثيرة أصلاً، وسيرفع مُستوى الإحتقان الداخلي ونسبة الشرذمة بين اللبنانيّين. وكالعادة سينقسم اللبنانيّون بين مُؤيّد لما ستقوله المحكمة، ورافض له، في إنعكاس لإنقسام عمودي مُستمرّ منذ العام 2005، ولا يبدو أنّه سينتهي قريبًا، بل يُتوقّع أن يزداد ترسيخًا، مع كل الإرتدادات السلبيّة المُتوقّعة على لبنان.
(1) منها ضمّ "قضيّة عيّاش وآخرين" إلى قضايا أخرى مرفوعة أمام المحكمة، ووفاة أحد المُتهمين الرئيسيّين وهو مُصطفى أمين بدر الدين.
(2) ربطت المحكمة جريمة إغتيال الحريري، بجريمة إغتيال الأمين العام السابق للحزب الشُيوعي جورج حاوي، وبمحاولتي إغتيال الوزيرين السابقين مروان حمادة وإلياس المرّ.