قبل نحو اسبوعين، كان الحديث الطاغي في الأوساط اللبنانية يتعلق بموعد رحيل حكومة حسان دياب، نتيجة الخلافات التي عصفت بين قوى الأكثرية الداعمة الضغوط التي تتعرض لها من جهات داخلية وخارجية، لكن سريعاً نجح "حزب الله" في تحصينها، من خلال العمل على إقناع حلفائه بضرورة بقائها في ظل خطر الذهاب إلى الفراغ، بالإضافة إلى منح رئيسها العديد من جرعات الدعم.
في ذلك الوقت، كانت الضغوط الأميركية تزداد بشكل مضطرد، لا سيما بعد أن ذهبت السفيرة دوروثي شيا إلى التلميح بضرورة رحيلها وتشكيل حكومة أخصائيين، لكن في الأيام الماضية ظهرت مؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة قررت الحد من هجمتها، بدءاً من زيارة قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي، التي جاءت بالتزامن مع موقف لافت لوزير الخارجية مايك بومبيو، وصولاً إلى زيارة شيا رئيس الحكومة، في السراي الحكومي، بعد يوم واحد من لقائها به خلال إجتماعه بماكينزي، وقبل ذلك كان غض النظر عن الإنفتاح العراقي تجاه بيروت، في ظل الحكومة المدعومة من واشنطن في بغداد.
في هذا الإطار، لا تتردد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، في التأكيد بأن حكومة دياب تبدو وكأنها في إنطلاقة جديدة، بعد حصولها على جرعة دعم كانت بأمس الحاجة لها، تمثلت في إنتقال عدد من الوزراء من مرحلة الدفاع إلى الهجوم ورفع السقف عالياً في وجه الإنتقادات التي يتعرضون لها من قبل بعض الأفرقاء المحليين، وتشير إلى أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى إطمئنان هؤلاء إلى أن الحكومة تخطت مرحلة الخطر، وبالتالي لم تعد مهددة بالرحيل كما كان عليه الواقع قبل أسابيع، الأمر الذي من المؤكد أنه سينعكس على وتيرة عملهم في المرحلة المقبلة، بعد أن كانت الحكومة دخلت ما يشبه مرحلة تصريف الأعمال.
وفي حين تشير هذه المصادر إلى الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، برفقة وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي، في نهاية الإسبوع الماضي، لتؤكد بأن دياب أراد من خلال المواقف التي أطلقها التأكيد بأنه يحظى بدعم دار الفتوى وليس معزولاً داخل بيئته الطائفية، تلفت إلى أن نقطة التحول في عمل الحكومة كانت التلويح بالورقة الإيرانية، التي استفزت الولايات المتحدة بالرغم من أنها لم تكن مطروحة بشكل جدي، بدليل المواقف التي صدرت عن بعض الوزراء، خصوصاً وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، الذي أكد في أكثر من مناسبة عدم وجود عرض من قبل طهران لشراء النفط بالليرة اللبنانية، كما كان قد طرح السيد نصرالله.
من وجهة نظر المصادر نفسها، التوجه نحو إيران لطلب المساعدة من قبل الحكومة اللبنانية كان من الممكن أن يمثل أقصى درجات المواجهة مع الولايات المتحدة، لكن التلويح به كان كفيلاً بدفعها إلى التراجع بعض الشيء في تعاملها معها، أولاً من خلال غض النظر عن التعاون مع الجانب العراقي، وثانياً عبر المواقف التي عادت إلى التعبير عنها، لناحية الإستعداد لمنح لبنان إستثناءات من تطبيق قانون قيصر الخاص بسوريا، والإعلان عن الرغبة في تقديم الدعم إلى بيروت، بحسب ما أكد بومبيو.
ما تقدم لا ينفصل، بحسب ما تؤكد المصادر المطلعة، عن الرسالة التي كان قد وجهها أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، في خطابه الماضي، لناحية الإشارة إلى أن ما تقوم بها الولايات المتحدة من إجراءات لا يضعف الحزب وحلفائه بل يضعف حلفاءها، بالتزامن مع الرسائل التي كانت قد أطلقت، في أكثر من مناسبة، بأن الحزب ليس في طور التراجع نتيجة الضغوط، بل لديه مجموعة من الخيارات التي قد يذهب إليها، في حين كانت واشنطن قد ذهبت سريعاً إلى تشديد إجراءتها، بسبب رغبتها في التوصل إلى تسوية أو تحقيق إنجاز في وقت قريب.
بالنسبة إلى هذه المصادر، هذا لا يعني أن المواجهة القائمة على الساحة اللبنانية انتهت بأي شكل، لكن يمكن القول أن واشنطن قررت التهدئة بعض الشيء، لا سيما بعد أن لمست الضعف من حلفائها، في ظل الإنقسامات التي تعصف بهم وعجزهم عن تشكيل جبهة موحدة في وجه قوى الأكثرية الداعمة لحكومة دياب، وبالتالي لا مصلحة لها في دفع الأخيرة للذهاب إلى خيارات متطرفة، في حال وصلت الضغوط الأميركية إلى الحدود القصوى.
في المحصلة، لا تتردد المصادر نفسها في الإشارة إلى مجموعة من العوامل كانت مساعدة في الوصول إلى هذه النتيجة، أبرزها موقف فرنسا والفاتيكان، حيث تشير إلى أن باريس قد تكون في طور الذهاب نحو تقديم مبادرة ما، خصوصاً أن لا مصلحة بوصول لبنان إلى مرحلة الإنهيار، في حين لعبت العديد من الجهات دوراً في إقناع الفاتيكان بالتحرك سريعاً، وتلفت إلى أن بعض المؤشرات الإيجابية قد تظهر، في وقت قريب، لا سيما بعد الزيارة التي يقوم بها مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى الكويت.