حتى الامس القريب، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتواصل مع رئيس الحكومة حسان دياب... اكثر من ذلك لم توفر اية وسيلة للضغط على الدول العربية والاوروبية لمقاطعة الرجل بحجة انه رئيس حكومة حزب الله وتابع له.
ولكن فجأة تغير المشهد، دخلت واشنطن عبر سفيرتها في لبنان دوروثي شيا الى مفاوضات للتهدئة مع دياب ومن خلفه الفريق السياسي الداعم له تحت عنوان مساعدة لبنان على النهوض، على الاقل هكذا بدا المشهد من بعيد ولكن عمليا هناك خلف المشهد رواية مختلفة.
يقول قيادي بارز في ٨ آذار ان فريقه السياسي ابلغ اكثر من جهة محلية ودولية انه لن يقف متفرجا على «الاعتداء الاميركي» على اقتصاد لبنان وعلى فريق سياسي اساسي في التركيبة اللبنانية هو حزب الله.
وكشف القيادي ان واشنطن تبلغت من فريقه ضرورة كف يدها عن لبنان، والا فانها لا تترك امام ٨ اذار والدولة اللبنانية الا واحد من خيارين:
اولا: ذهاب الدولة اللبنانية الى الالتزام الرسمي بالتوجه شرقا واستعداد الحكومة مدعومة من كل القوى التي شكلتها الى ابرام اتفاقيات عسكرية واقتصادية مع ايران وروسيا والصين.
ثانيا: فتح الجبهة الجنوبية مع فلسطين المحتلة والتضييق اقتصاديا على العدو الاسرائيلي عبر استهداف كل السفن العسكرية والتجارية التي تتجه الى فلسطين المحتلة على امتداد البحر المتوسط، والتلويح جديا باستهداف كل منشآت نفط العدو.
وفقا لمجريات الايام الاخيرة، يؤكد القيادي ان واشنطن ارسلت سفيرتها في بيروت لزيارة دياب من منطلق اعطاء اشارات ايجابية لـ٨ اذار لعدم الذهاب نحو التصعيد، تقول المعلومات ان دولة عظمى اكدت لترامب شخصيا ان حزب الله والدولة اللبنانية يملكان تصورا واضحا لكيفية التعامل مع تصاعد الضغوطات الاقتصادية على لبنان، وان هذا الفريق يملك خطة بديلة للحل ولكن حينها لن
يكون هناك امكانية لاية مفاوضات لوقف «المقاومة الاقتصادية»، وبالمناسبة فان ٨ آذار اتخذت قرارا جديا بعدم السماح بتشكيل اية حكومة جديدة في المرحلة القادمة اذا لم تلتزم بانفتاح لبناني رسمي على الغرب والشرق معا.
والتعميم ذاته الذي وصل لواشنطن تناول في شق اخر تحذيرا واضحا وصريحا بعدم المساس بالامن في لبنان وقد يكون جاء هذا التحذير في سياق ما ينقل من معلومات حول تمويل جهات دولية بينها واشنطن لمجموعات لبنانية للتحرك على خلفية قرار المحكمة الدولية المنتظر صدوره في ٧ آب.
على ان دخول العراق ايضا على خط مساعدة لبنان جاء بايعاز اميركي واضح لقطع الطريق على تمدد الدور الايراني في الاقتصاد اللبناني، وفي اشارة الى المحاولة الإميركية في استيعاب الضربة التي وجهتها ٨ آذار من خلال ادارتها للازمة واستعدادها بشكل صريح للقيام بما يلزم لعدم سقوط لبنان امام «الضغوطات الاقتصادية الاميركية» المتلاحقة، مع الاشارة الى ان التدخل المصري والكويتي لا يخرج عن سياق المحاولات التي بدأتها واشنطن لتحسين وضعها في لبنان بعد رسالة التهديد التي تلقتها مؤخرا.
لم تكن رسالة «٨ آذار» الى واشنطن يتيمة، وفقا لمعلومات موثوقة فان الفاتيكان ضغطت في اكثر من اتجاه لدفع واشنطن على احتواء الازمة اللبنانية لا سيما بعدما تثبتت بان هناك قرارا رسميا للتوجه شرقا اذا استمرت الضغوطات الاميركية، في الموازاة ابلغت الفاتيكان جهات لبنانية رسمية عليا انها لا توافق على تغيير وجه لبنان ونظامه السياسي والاقتصادي الحالي، وقد جاءت تصريحات البطريرك بشارة بطرس الراعي بمثابة تنفيذ توصيات الفاتيكان في هذا الخصوص.
التحرك الفرنسي المنتظر يدخل ايضا في سياق المساعي الاوروبية لاستيعاب اي تصعيد من «٨ اذار» بهدف الرد على «العدوان الاقتصادي الاميركي»، عبر تغيير كل النظم السياسية والاقتصادية القائمة على اعتبار ان لبنان يشكل منفذا وحيدا للفرنسيين في الشرق الاوسط، واي تغيير يعني سحب البساط من تحت اقدامهم وتجريدهم من العلاقات المميزة التي يتمتعون بها منذ الانتداب، بما يؤسس لاحقا حسب قراءتهم لتفريغ لبنان من مسيحييه وتشريع الابواب امام اعادة النظر بالنظام السياسي القائم من موقع رئاسة الجمهورية نزولا الى اصغر موقع مسيحي في لبنان.