ثمة اقتناع بدأ يترسخ في كل الاوساط السياسية، انّ معركة انتخابات رئاسة الجمهورية التي فُتحت باكراً وقبل اوانها، ستكون لها كثير من المفاعيل والمضاعفات السلبية على الاوضاع عموماً، وعلى المستويين المسيحي والسياسي الوطني خصوصاً، الى حد تكاد تغيب معه المعايير والمواصفات المطلوب توافرها في رئاسة 2022 ، في الوقت الذي بدا انّ كل الاستحقاقات تفقد رونقها وفعاليتها وقيمتها، بفعل الانهيار والمخاطر التي تهدّد البلاد.
إرتكز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في وصوله الى رئاسة الجمهورية، حسب اوساط سياسية مسيحية، بالاضافة الى دعم حلفائه وعلى رأسهم «حزب الله»، على دعامتين مسيحيتين اساسيتين، الاولى تمثلت بالبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي بارك انتخاب اي شخصية تمثيلية من ضمن رباعية عون والرئيس امين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سميرجعجع ورئيس تيار»المردة» سليمان فرنجية، معتبراً أنّه لا يجوز انتخاب رئيس للجمهورية لا يحظى بتمثيل بيئته السياسية والمسيحية. اما الدعامة الثانية فتمثلت بترشيح جعجع له لرئاسة الجهمورية، على رغم من انّ العلاقة بينهما هي علاقة مأزومة منذ العام 1988 وهما يتقاسمان في شكل أو آخر، التمثيل الأكبر داخل البيئة المسيحية.
وقد جاء ترشيح جعجع لعون خريف العام 2016، حسب الاوساط المسيحية نفسها، ليضفي الثقة التمثيلية عليه من دون شك او منازع، فأصبح عون بذلك حاظياً بتمثيل روحي معنوي منحته ايّاه بكركي، وبتمثيل سياسي منحه ايّاه جعجع، يُضاف طبعاً الى حيثيتة التمثيلية الخاصة، علماً انّ عون يتمتع اساساً بتمثيل مسيحي وازن وواسع.
وبدلاً من ان يحافظ عون على قاعدة بكركي ومعراب فور وصوله الى رئاسة الجمهورية، بادر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الى تصدّر الواجهة الرئاسية السياسية، وادّى ذلك الى تناقض مع «القوات اللبنانية»، فتسبب في الاشهر الاولى للحكومة الاولى للعهد العوني، بتصدّع «اتفاق معراب» ونهايته، ما اوصل جعجع الى الاقتناع بأنّه ربما اخطأ في انتخاب عون، وانّ الفراغ الذي كان يخشى منه هو افضل من انتخابه، بسبب سوء الاوضاع المالية التي وصلت اليها البلاد، حسب الاوساط المسيحية نفسها.
وفي المقلب الآخر، اي بكركي، تضيف الاوساط ايّاها، حاول البطريرك الماروني ان يكون الصوت المدافع عن رئيس الجمهورية، على رغم من الأزمات الوطنية المتلاحقة ودخول رئاسة الجمهورية في تناقضات عدة مع معظم القوى السياسية التي انتخبته. ولكن، عندما وجد الراعي انّ كل مساهمات البطريركية المارونية منذ ما قبل «لبنان الكبير» وما بعده على المستويات كافة، المالية والاقتصادية والتربوية والاستشفائية والسياحية والوطنية والسياسية، وصلت الى حدّ التهديد الوجودي وتغيير وجه لبنان، كما الخشية الكبرى من هجرة مسيحية واسعة بفعل سوء الاوضاع، فما كان من البطريرك إلّا ان رفع الصوت بمواقف وعناوين، تتناقض في الشكل والمضمون مع خطاب رئيس الجمهورية وممارسته على ارض الواقع.
وحيال هذا التناقض «المعلن والمكشوف» بين عون وجعجع، و»المضمر والمستور» بين عون وبكركي، يكون رئيس الجمهورية، حسب الاوساط المسيحية إيّاها، قد فقد، ومن خلال ممارسته، دعامتين مسيحيتين اساسيتين شكّلتا له غطاء مسيحياً واسعاً، بالاضافة الى خسارته ايضاً لمظلات وطنية وفّرتها له قوى ايضاً ساهمت في انتخابه وفي طليعتها تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، فيما العلاقة بين حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» تتقدّم وتتراجع، الاّ انّ جوهرها يبقى غياب عامل الثقة بين الطرفين.
ويبقى انّه من المعلوم تاريخياً، تقول الاوساط المسيحية، انّ رئاسة الجمهورية عندما تفقد غطاء البطريركية المارونية فإنّها تفتقد الى شرعية معنوية على رغم شرعيتها الشعبية، لأنّ للبطريركية ثوابت ومنطلقات واستمرارية وموقعاً تاريخياً يعطيها دوراً معنوياً ويجعلها دائماً، وفي المنعطفات الاساسية، في موقع المتقدّم على موقع رئاسة الجمهورية.
فكيف لعون ان يتعامل مع هذا الواقع المستجد، في ظلّ التناقض بينه وبين بكركي، والخلاف بينه وبين جعجع، والذي يُضاف الى تناقض بينه وبين اكثر من فريق سياسي، ادّى ويؤدي الى محاصرة دور رئاسة الجمهورية وإضعاف تأثيرها في المعادلة الوطنية؟
وترى الاوساط المسيحية، انّه إذا كانت رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية تحرصان على عدم تكرار مشهد الصدام الذي حصل اواخر الثمانينات من القرن الماضي بين عون والبطريرك الراحل مار نصرلله بطرس صفير، فإنّ ما خلصت اليه العلاقة السياسية بين عون والراعي هي النتيجة نفسها في المضمون بمعزل عن الشكليات.
وفي موازاة الخلاف العوني اليوم مع جعجع والراعي، الذي كان راعياً للرباعية المعروفة (عون، الجميل، جعجع، فرنجية) فإنّ عون اليوم هو في صدام ومواجهة ايضاً هي الأعنف بينه وبين فرنجية، وحدّث ولا حرج مع حزب الكتائب.