زار لبنان مؤخّرًا قائد القيادة الوسطى بالجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكينزي، وعقد سلسلة لقاءات واجتماعات، ودار كلام بالسرّ والعلن حول بعض الامور والشؤون العسكريّة في المنطقة، وتأثيرها على لبنان. وفي ظل تسليمنا بعدم معرفتنا بما دار من كلام في السرّ، الا انّ ما قاله الجنرال الاميركي في العلن كان بالغ الوضوح، ويمكن من خلاله استشراف بعض الآفاق حول عدة امور، ومنها ما دار من كلام وتحاليل حول قرب اندلاع حرب بين لبنان واسرائيل، واكثر تحديداً بين حزب الله واسرائيل في الآتي من الاسابيع، والبعض ذهب الى حد تعيين موعد دقيق لها.
ما قاله ماكينزي بالامس خلال اطلالة اعلامية له عبر الفيديو شاركت فيها "النشرة"، عن امكان اندلاع هذه الحرب كان يستحق الاهتمام، فهو لم يخصّص له وقتاً طويلاً، وهي دلالة اولى على ان الموضوع ليس ملحاً او طارئاً او يتم التخطيط له، لانه وفق التجارب السابقة، فإن اي حرب يتم التخطيط لها (ولا تأتي عقب حادث معيّن يحصل بشكل مفاجئ كما كان الحال عليه عام 2006 مثلاً)، يسبقها الكثير من الكلام والتحذيرات والخوض في سيناريوهات ايّ ان الحرب النفسية تسبق الحرب العسكريّة الفعلية بأسابيع على الاقل، ان لم تكن بأشهر، فيما لم تستحق احتمالية الحرب بين لبنان واسرائيل اكثر من ثوان معدودة فقط.
على خط آخر، لم يكشف موقف الجنرال ماكينزي اي مستور، كما انه لم "يكتشف البارود" حين تطرق الى الموضوع وقال انّ حزب الله سيرتكب خطأ كبيراً اذا شن عملاً عسكرياً على اسرائيل والنتائج لن تكون جيدة. هنا يجدر الانتباه الى ان التحذير اتى من جانب حزب الله فقط، اي ان اسرائيل، وفق موقف المسؤول العسكري الاميركي، لن تقوم بعمل عسكري من جهتها، وبالتالي فإنه في حال حصول اي تطور ميداني فسيكون على عاتق الحزب وليس من جانب اسرائيل. هذا الامر كفيل بالتشديد على ان اسرائيل ليست حالياً في وارد فتح باب المعارك او الحروب، وان التحذير هو من اقدام الحزب على القيام بأي عمل خارج اطار المتعارف والمتفق عليه من المواضيع التي ارست صدور القرار 1701. واذا كان الحزب هو المعني، وفق ما يُفهم من كلام ماكينزي، بفتح باب الحرب، فقد سبق واكد اكثر من مرة انه لن يكون البادئ، بل سيعمد الى الرد على قدر حجم الاعتداء، وقد برهن التزامه بهذا الامر اكثر من مرة، وبالاخص عندما استهدف مباني الاحياء الجنوبية لبيروت عبر طائرة مسيّرة، فلم تندلع الحرب بل وضعت قواعد جديدة للعبة لم تؤثّر بشكل عام على الهدوء والاستقرار الحدودي.
ويرى متابعون للوضع الاقليمي، ان تحذير ماكينزي لم يكن محوره البر بل البحر وما يخص البلوك رقم 9، ووجوب عدم ان تكون عمليات التنقيب عن النفط شرارة اندلاع حرب بين لبنان واسرائيل، بل اعتماد التروي والوساطة التي كان سبق للولايات المتحدة الاميركية ان بدأت بها على خط بيروت-تل ابيب في هذا السياق، لان النتائج لن تكون جيدة بالنسبة لاحد، ان في لبنان او في اسرائيل او في المنطقة ككل، وهذا ما حدا بقائد القيادة الوسطى الى القيام بجولة متعددة وطرح الموضوع وسماع الردود ومعاينة الوضع عن قرب وبشكل شخصي، في محاولة لمنع حصول ايّ حادث مفاجىء قد يتطور بسرعة الى ما لا تحمد عقباه.
وعليه، ووفق ما يظهر، فإن احداً ليس في وارد شن حرب او التخطيط لها، وان الامر كله يتعلق بالحؤول دون بروز حوادث او عمليات مفاجئة وغير متوقعة قد تتطور الى اعمال عسكرية كبيرة وتوصل الى الحرب التي لا يريدها أحد في المنطقة، وليس من الظاهر انّ احداً يسعى اليها وتحديداً في هذا الوقت بالذات.