منذ منتصف الاسبوع الماضي، تُطرح الكثير من الأسئلة في الأوساط السياسية اللبنانية حول حجم "قبة الباط" الأميركية، بعد الضغوط الكبيرة التي كانت قد ذهبت إلى فرضها قبل ذلك، الأمر الذي كان له تداعيات كبيرة على الوضعين المالي والإقتصادي، لكن أحداً من المسؤوليين المحليين لا يملك جواباً واضحاً على هذا الصعيد.
في هذا الإطار، التهدئة الأميركية لبنانياً ملموسة من قبل العديد من القوى السياسية المعنية، إلا أن المدى الذي قد تأخذه غير معروف، الأمر الذي يدفعها إلى القيام بمحاولات "جس نبض"، أبرزها كان زيارة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى الكويت، لم تتضح نتائجها بعد، لكنها من المفترض أن تصبح معلومة خلال وقت قريب.
في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الحديث عن تغيير أو تحول في الموقف الأميركي تجاه لبنان هو في غير مكانه، لا بل تؤكّد أنه لا يمكن الحديث أيضاً عن أي تراجع، وتلفت إلى أن ما حصل فعلياً هو أن الإدارة الأميركية وجدت أن ما حصل، بعد السجال الذي كانت أحد أفرقائه السفيرة في بيروت دوروثي شيا، لا يصبّ في مصلحتها، نظراً إلى أنه سيحوّلها إلى فريق في المواجهة التي تريدها لبنانية صرف.
من وجهة نظر هذه المصادر، "حزب الله" نجح في تحقيق بعض النقاط من خلال دفع شيا إلى الدخول في سجال مباشر معه، حيث أظهر أن المواجهة مع الولايات المتحدة بشكل مباشر، الأمر الذي يسمح له في إعادة إستقطاب جمهوره وبيئته الشعبية، في حين أن حصر المواجهة بالدعوات إلى الإصلاح ومحاربة الفساد والظروف الإقتصاديّةوالإجتماعية من الممكن أن يحجره بعض الشيء، لأنه سيكون مطالباً بالإجابة على الكثير من الأسئلة في هذا المجال.
وتشير المصادر نفسها إلى أنّ الإدارة الأميركيّة، لا سيّما على لسان وزير الخارجيّة مايك بومبيو، كانت منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي تحاول الإستثمار في الأحداث لتصويبها نحو الحزب، والسعي إلى التعميم أنّ المشكلة الأساس تكمن بإنخراطه في الحروب المشتعلة في البلدان المجاورة، وبالتالي بداية الحل تكون من هذه النقطة بالذات، أيّ تراجع الحزب عن هذا الإنخراط الذي يخدم المصالح الإيرانية لا اللبنانية.
بناء على ما تقدم، تجزم المصادر السياسية المطلعة بأنّ التصعيد الذي حصل، في الفترة الماضية، لم يكن مطلوباً الوصول إلى المرحلة التي وصل إليها من الجانب الأميركي، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تراجع أو إعادة النظر في السياسية المعتمدة من قبل واشنطن بل العودة إلى قواعد اللعبة الأساسية، وتشير إلى أن لبنان هو جزء من الساحة الإقليمية التي لدى الولايات المتحدة رؤية موحدة في كيفية التعامل معها، وتلفت إلى أن التصعيد أو التشدد يشمل إيران والعراق وسوريا أيضاً.
وتوضح هذه المصادر أن واشنطن تدرك جيداً أن طريقة تبادل الرسائل القائمة في الإقليم لا يمكن أن تطبق في لبنان بأي شكل من الأشكال، بسبب التركيبة القائمة في البلاد التي تتضمن حلفاء لا يمكن الإضرار بمصالحهم أو الذهاب إلى خطوات من الممكن أن تؤدي إلى إضعافهم، بالإضافة إلى أن "حزب الله" يملك دوراً حاسماً من الممكن أن يدفعه إلى الردّ عبر خطوات ستكون تداعياتها سلبيّة على سياساتها، منها الضغط نحو الإنفتاح على الصين وروسيا وإيران بشكل مباشر، من دون تجاهل أن الذهاب أبعد من ذلك نحو الرسائل الأمنيّة قد يعني الدفع نحو ما هو أخطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
في المحصّلة، لدى المصادر نفسها قناعة بأنّ الأيام المقبلة ستكون كفيلة بتحديد حجم "قبة الباط" الأميركية على الساحة اللبنانية، لكنها ترى أنها ستكون محدودة إلى الحدّ الذي يمنع الإنهيار الشامل والسريع الذي لا يصبّ في مصلحة واشنطن، مع التأكيد أنه يبقى ضمن الإطار العام الذي لا يخرج عن التوجه المرسوم في المنطقة، أي الضغط من أجل الذهاب إلى طاولة مفاوضات الجانب الأساسي فيها هو إيران.