ها نحن في رحاب شهر تموز الذي له في ذاكرة شعبنا وأجيالنا حكايات مجد وعزّ وافتخار، ليس آخرها في العام 2006 حين وقعت المنازلة الكبرى على أرض الجنوب الحبيب، وتعملقت المقاومة بقادتها وشبابها وجرحاها وشهدائها… وحققت النصر الذي بات اليوم يُدرَّس في كتب العلوم العسكرية والاستراتيجية.
وها نحن نحقق النصر مجدّداً، من دون حرب هذه المرة، لأنّ أعداءنا يخشون الحرب ويحسبون ألف حساب لأيّ حماقة جديدة قد يقدِمون على ارتكابها.
وها قد سمعنا وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية مايك بومبيو يتراجع عما كان قاله هو نفسه ضدّ لبنان، ورأينا بأمّ العين كيف أنّ السفيرة الأميركية دوروثي شيا هروَلت مسرعة إلى عين التينة والسراي لتؤكد للرئيسين نبيه بري وحسان دياب هذا التراجع وتسلّم بأنّ للبنان الحقّ في الحصول على دعم مالي واقتصادي يسمح له بالوقوف على قدميْه، وبالتالي السّير قدُماً بخطوات تحقق لشعبه التنمية والنمو اللازمين، بعد المعاناة الكبيرة المستمرّة بمفاعيلها التي تلقي بثقلها على كاهل اللبنانيين جميعاً.
على أنّ هذا التراجع الأميركي لا يعني أنّ المواجهة انتهت، لأنّ التجارب مع هؤلاء تفيد بأنهم يتراجعون لكي يستوعبوا الصدمة ثم يحاولون الانقضاض مجدّداً بأشكال وأساليب مختلفة… لذلك لا بدّ من الحذر والتنبّه باستمرار، ومواصلة الخطوات الكفيلة بتحصين ساحتنا الداخلية على كلّ المستويات، خاصة متابعة التعاون مع الأشقاء والأصدقاء والحلفاء في سورية وإيران والعراق والصين وروسيا… بما يسمح لنا بتحقيق إنجازات قريبة تمكننا من الصمود في وجه هذه الهجمة الشرسة، ريثما تكون المشاريع والخطط الإنتاجية المتوسطة والبعيدة المدى قد بدأت تعطي ثمارها.
كذلك يجدر التنويه بالجهود الكبيرة التي يبذلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، حيث كانت محطته الأخيرة في الكويت موفداً شخصياً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وعاد منها بإيجابيات يُنتظر أن تترجم وقائع ملموسة قريباً.
وقبل الكويت كانت جهود اللواء إبراهيم قد أثمَرت في العراق، ورأينا النتائج المهمة جداً لزيارة الوفد العراقي إلى لبنان في الأيام القليلة الماضية، على صعيد تزويد لبنان بالفيول لمعامل الكهرباء مع تسهيلات بالدفع تصل إلى حدّ السنتين، وهذا الأمر وحده يعني توفيراً آنياً بفاتورة المحروقات بنحو ملياري دولار في السنة، وكذلك على صعيد التسهيلات التي ستعطى للصادرات اللبنانية الصناعية والزراعية إلى العراق، وهو ما نثق أنه سيكون موضع متابعة حثيثة من الوزيرين الصديقين عماد حب الله وعباس مرتضى لتحقيق النتائج المرجوة.
ومن دون أدنى شكّ، فإنّ كلّ ما تقدّم يأتي في سياق تنفيذ خريطة الطريق التي رسمها سماحة السيد حسن نصرالله في خطاباته الأخيرة، حيث أعطى المعنى اللازم لما نسمّيه اقتصاد الإنتاج، وأخرج هذا المعنى إلى حيّز التطبيق، بعدما سمعنا سابقاً الكثير من الكلام والشعارات حول ضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنتاج، ولكن بقي ذلك كلاماً وحبراً على الورق…
أما مع سيد الوعد الصادق فإنّ القول يتلازم مع الفعل، وفي أحيان كثيرة يسبق الفعل القول، أو يتزامن معه، تماماً كما حصل في مثل هذه الأيام عام 2006 مع البارجة الصهيونية «ساعر 5»، حين دعا السيد نصرالله عبر شاشة التلفزيون الناس لكي يشاهدوا تلك البارجة وهي تحترق في عرض البحر بكلّ مَن وما فيها… وفعلاً بدأت ألسنة اللهب تتصاعد منها قبل أن ينهي السيد كلامه…