لم ينته الاسبوع الحالي في لبنان على أخبار ومعطيات تحمل الكثير من الايجابيات، وسط كلام شبه يومي من رئيس الحكومة حسّان دياب عن مؤامرات داخليّة تحاك ضد لبنان وشعبه بهدف اسقاط الحكومة. وفي ظل المحاولات التي تقوم بها الأخيرة للبقاء على قيد الحياة، وشبكة الاتصالات التي تنسجها مع دول عربية وغربية للتخفيف من الحصار المفروض على لبنان، كان لافتاً الدعوات التي اطلقت لقيام حوار وطني هدفه وضع لبنان على السكّة الصّحيحة والنهوض به من جديد. الغريب في هذه الدّعوة أنّها لم تأتِ هذه المرّة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بل من الذين رفضوا تلبية دعوته الى الحوار، فما الذي تغيّر بين الامس واليوم؟.
الواضح ان ما تغيّر هو الهدف، فحين كانت الدعوة من قبل عون، كانت المعارضة من قبل كل المختلفين معه سياسياً، بينما يعمل هؤلاء انفسهم على التسويق لضرورة اقامة حوار جامع لبحث مصير البلد، انما من خلال شخص آخر. ولكي لا تأخذ الامور منحى طائفياً، أُبقيت الشخصية من ضمن الطائفة المسيحيّة، والمارونية تحديداً، وسمّى معارضو عون البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي كشخصيّة لرعاية هذا الحوار. وبات من الواضح ان عون ودياب مستهدفان من قبل القوى السياسية المناهضة لهما، والتي تزداد قوة بفعل الضغوط الدولية الممارسة على لبنان من جهة، وعدم قيام العهد والحكومة بخطوات عملية ملموسة لمعالجة الاوضاع، او للتخفيف من المعاناة في بعض المسائل اليومية التي من شأنها نقل الضغط على قوى ومسؤولين آخرين في لبنان -اذا صحّت اتهامات دياب لهم بالتآمر على البلد وشعبه-، واظهارهم بأنهم المسؤولون الحقيقيون عن هذه المعاناة.
كان الجميع يتوقع زيادة الضغوط، ولكن الامل كان في تحقيق بعض الخطوات الكفيلة بابقاء كمية كافية من الاوكسجين للتنفس، وليس "مساعدة" الحكومة، ولو انها لا ترغب في ذلك، على مضاعفة هذا الضغط والتأثير سلباً على واقع اللبنانيين وعلى صورتها تجاههم. وفيما لا تزال الحلول الامنيّة والعسكريّة غير متاحة للمعارضين لتحقيق اهدافهم بتغيير الاشخاص، ظهرت هذه المحاولة الجديدة لتشير الى ان المشكلة محصورة فقط بعون ودياب، ولا علاقة لأيّ شخصيّة ثالثة مهما كان انتماؤها الحزبي والطائفي وفكرها السياسي، بسوء الاحوال الذي نعيشه حالياً وان تغييرهما سيؤدّي الى نتائج ملموسة وسريعة في تحقيق الانفراجات المنتظرة. ولا تأتي هذه الفكرة من فراغ، لانّ المعارضين يدركون تماماً استحالة اجراء مثل هذه التغييرات في الشخصيات نظراً الى الحساسيات الخارجيّة والداخليّة التي قد تثيرها، وبالتحديد تغيير رئيس الجمهوريّة، فكان التوجه نحو "التهميش" بحيث يجرّد من أيّ قرار او سلطة ويبقى في قصر بعبدا حتى نهاية الولاية الرئاسيّة كمشاهد لما يدور من احداث وتطورات، فيما يكون من الاسهل بكثير دفع دياب الى الاستقالة والعمل على تأمين البديل دون القلق من أيّ "فيتو" قد يضعه عون الذي سيكون خارج اللعبة السياسية.
في المقابل، ومع كثرة الحديث عن حزب الله وعن انه المسبب المباشر للضغوط الخارجية على لبنان، لن يتم تعديل المسار المتّبع معه، بحيث تبقى قنوات الحوار مفتوحة، وعدم مواجهته، مع السعي الى تخفيف حدّة مواقفه وخطاباته، وهو مسعى نجح سابقاً في اكثر من مناسبة، ويتوقع ان ينجح مرة جديدة اذا توافرت الظروف.
انها محاولة سياسية مشروعة يقوم بها معارضو عون ودياب، ولكن الاخيرين ليسا في وارد القبول بها، وهما يعملان لاجهاض كل فرص نجاحها ويراهنان على الصمود حتى موعد الانتخابات الرئاسّية الاميركية، وهكذا، يظهر انّ سياسة المواجهة لا تزال قائمة فيما اللبناني يدفع الثمن بشكل باهظ.