عندما عمّت أجواء إستقالة الحكومة في الأسابيع الماضية، كانت تجري إتصالات جدّية داخلية وخارجية لتأليف حكومة جديدة، بهدف تسويق حلول سياسية إقتصادية مغلّفة برضا دولي. تؤكد المعلومات أن باريس هي أول من طرح فرط عقد الحكومة الحالية، لترؤس رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مجلس وزراء جديد خال من الحزبيين. كان الهدف الضمني للإقتراح إبعاد "حزب الله" عن الحكومة، ولو بالشكل، لنيل دعم أميركي للتركيبة الجديدة.
على هذا الأساس، دارت الأفكار في بيروت، لكنها لم تصل الى نتيجة. واذا كان الحريري إستبعد عودته حالياً إلى رئاسة أي حكومة، فهو أجرى جولات سياسية واتصالات اوحت ضمنياً بقبوله تأليف حكومة جديدة. لكن "الشيخ سعد" إشترط وضع تركيبة بعيدة عن السياسيين والحزبيين، وأراد ضمناً عدم إشراك رئيس التيار "الوطني الحر" جبران باسيل، مستنداً إلى الطرح الفرنسي الذي وصل الى طهران، لكن العاصمة الإيرانية رمت الكرة في ملعب "حزب الله". بالنسبة الى الحزب المذكور لا يمكن فرط الحكومة وفق الشروط الموضوعة. يقول مطّلعون أن باسيل ركب موجة تغيير الحكومة لعدة أسباب: هو يشعر أن العهد بات يدفع ثمن الأزمات المتلاحقة سياسياً وإقتصادياً، لذا، لا بدّ من أن يتقاسم الباقون مع العهد تحمّل مسؤولية الأزمات.
يُمكن هنا أن تحلّ حكومة جديدة تحت عنوان لم الشمل، تتوزّع فيها المسؤوليات، ويجري من خلالها مخاطبة المجتمع الدولي لمؤازرة لبنان. تقول المعلومات إن كل القوى تعلم ان باسيل يريد الاّ يحمل وزر الأزمات وحده في المرحلة المقبلة، في وقت يخطط فيه لتولي رئاسة الجمهورية بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، وقد باتت حظوظه أعلى بخروج رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية من المنافسة الجدية. ومن هنا يُمكن تصنيف الترقب القواتي، وعدم الرغبة التقدمية الإشتراكية في تأليف حكومة جديدة، لا بل عدم تشجيعهما الحريري ضمناً على المضي بأي خطوة نحو السراي الحكومي حالياً. سمع المعنيون كلاماً يتردد: دعوا حكومة حسان دياب تتلقى صفعات الأزمة وحدها. هل طُويت طروحات التغيير الحكومي؟ لا يوجد مؤشرات جدية لمتابعة أيّ طرح في هذا السياق حتى الآن. لكن المراوحة تعني مزيداً من الضياع اللبناني، وتتظهّر يوماً بعد آخر لتُترجم مشكلة الكهرباء في الشارع الآن تتبعها أزمة النفايات، وتكرّ بعدها أزمات متلاحقة في بداية فصل الشتاء. اذا كانت الحكومة نجحت في تعيين مجلس إدارة لكهرباء لبنان، بعد سنوات من الرفض السياسي والخلافات التحاصصية، فإن حل أزمة الكهرباء لم يُبصر النور: دخل لبنان في فلك عتمة تتوسّع مساحاتها السوداوية أو تتراجع بحسب سوق الفيول. فما هي القصة؟.
عندما ثار سياسيون وإعلاميون ضد الشركة الجزائرية "سونا تراك"، تردّد مصطلح "شراء الفيول من دولة لدولة"، وجرت شيطنة الشركات النفطية. علماً أن الدول لا تتعاطى تجارة النفط بشكل مباشر بل عبر شركاتها، كحال شركة الجزائر، أو "اراماكو" السعودية، او "قطر للبترول"، وغيرهم من شركات تؤمن النفط لعواصم العالم. يقول خبراء لبنانيون إن "سونا تراك" كانت تؤمّن حاجات كهرباء لبنان لقاء دفعات مالية طويلة الأجل نسبياً، أي أن الشركة الجزائرية لا تمارس أي ضغوط على لبنان وتستمهل الاستحقاق المالي ١٨٠ يوما، أي ستة أشهر.
هنا كان يشعر لبنان بالإرتياح مع شركة جزائرية اعتادت ان تتعامل مع لبنان منذ عقود زمنية. لكن جرى التصويب على الشركة الجزائرية بسبب مصالح لبنانية ضيقة لإدخال شركات جديدة، مما أدى إلى إنسحاب "سونا تراك" من سوق التعامل مع لبنان بعدما تعرضت الشركة ظلماً لتشويه سمعة. فما هو البديل؟.
ساد الإعتقاد أن بغداد تستطيع ان تزود لبنان بالفيول لقاء إستيراد محاصيل زراعية ومنتوجات غذائية وصناعية، ليتبين أن نوعية النفط العراقي لا تطابق المواصفات اللبنانية التي تحتاجها معامل الفيول، بل هي تحتاج الى تعديل وفلترة وتصفية مكلفة. مما يرجح الشراء من السوق بكلفة أعلى، وبمواصفات أقل جودة، ليصبح لبنان أسير السوق الفالت في كل إتجاه. يعني ذلك أن أزمة الكهرباء ستزداد، والعتمة متواصلة بدرجات متفاوتة. تتحدّث المعلومات عن مساع بُذلت لإقناع دول عربية، منها الكويت، بأن تساعد لبنان عبر شركاتها النفطية، لكن لم تتضح نتائج تلك المساعي الحميدة في هذا الإتجاه، علماً أن كل إجراء خارجي يتعلق بلبنان بات مربوطاً بالسياسة التي تعيش سوداوية جراء التفكك القائم بين القوى الداخلية من جهة، ومن هنا جاء إتهام رئيس الحكومة حسان دياب لشخصيات سياسية وحزبية بأنها تحرّض ضد حكومته في الخارج، ومن جهة ثانية بسبب النزاع الإقليمي الذي بات البلد جزءاً منه، لذا يأتي حراك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي تحت عنوان الحياد الإيجابي ليصبّ في هذا الإتجاه. بالمحصلة، بات أيّ حل يتطلّب تسوية لبنانية شاملة، لكن لا تسوية متوافرة من دون مخارج تأتي عبر عواصم العالم.