على وقع الأزمة المالية والإقتصادية التي تمر بها البلاد، لا سيما على مستوى إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، قررت الحكومة اللبنانية الذهاب أو الإستمرار في سياسات الدعم في العديد من القطاعات، لا سيما المحروقات والدواء والغذاء، لكن من الناحية العملية المواطن الذي هو فعلاً بحاجة إلى الدعم، مع تراجع قدرته الشرائية وإرتفاع الأسعار، لا يستفيد بالشكل المطلوب من هذه السياسة العشوائية، التي تساوي بين الغني والفقير وبين المواطن والمقيم بالمقدار نفسه وعلى حساب الخزينة العامة.
في الفترة الماضية، حرص جميع المسؤولين المعنيين على تصوير عدم وجود أي بديل عملي لهذه السياسة، من دون النظر إلى التداعيات أو النتائج السلبية الناجمة عنها، في حين أنّ هذا البديل متوفر ولا يحتاج إلا لقرارات جريئة تبحث فعلياً عمّن هو بحاجة لدعمه، ثم تخطط لتحريك العجلة الإقتصاديّة بالشكل المطلوب.
في هذا السياق، الكثير من الأسئلة التي تطرح وهي بحاجة إلى أجوبة واضحة، خصوصاً أن السلطات المعنية قد لا تكون قادرة على الإستمرار في سياسة الدعم طويلاً، منها عن حجم إستفادة المواطنين من السلة الغذائية، الذي يشمل جميع الفئات، والأمر نفسه ينطبق على الدعم الموجود على المحروقات، مع العلم أن مادة المازوت، بحسب وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، "تتبخّر" سريعاً من الأسواق، لكن ما قد لا يلقى جواباً منطقياً هو الدعم الموجود لجميع الأدوية، "البرند" و"الجنريك"، الأمر الذي بات يمثل مشكلة حقيقيّة.
وكاندعماللحومقدأدّىإلىشرخفيصيدا،بحسبماأكدمراسل "النشرة" فيالمدينة،حيثاعترضباعةالجملةوالمفرّقعلىدعمزملاءلهمدونغيرهممنشركاتالصيرفةفئة(أ)،الأمرالذيدفعأصحابالملاحمإلىتنظيمإعتصامأماممبنىالبلديّة،طالبواخلالهبتوحيدسعرصرفالدولار،لكييتسنىلهمشراءوبيعاللحومبسعرموحد.
أمافيالنبطية،فأفادمراسل "النشرة"،عنإقباللافتعلىالسلعالغذائيّةالمدعومة،لكنهكشفأنأصحابالسوبرماركتيشكونمنأنّالشركاتتمارسالإحتكارولاتسلّمهممنهاإلاكميّاتقليلة.
في هذا الإطار، يفضّل الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لـ"النشرة"، أن يكون أي دعم مباشر للأشخاص الذين يستحقّون الدعم، سواء بالنسبة إلى المحروقات أو إلى المواد الغذائية، الأمر الذي توافق عليه نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك ندى نعمي، التي تشير، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن الدعم يعوّد المواطنين على الكسل ويطمع قطاعات أخرى، بدليل الأصوات التي بدأت ترتفع من قطاعات جديدة، وتؤكد أن الدعم ليس هو الحل في الدول التي تعاني من إرتفاع نسب الفساد، حيث الدعم يذهب إلى التجّار الكبار التابعين للقوى السياسية.
ويلفت شمس الدين إلى أنّ المواطن يلمس الدعم المتعلّق بالمحروقات، نظراً إلى أن سعر صفيحة البنزين، من دون الضرائب والرسوم، يفترض أن يكون 6 دولارات، أي 48 ألف ليرة على أساس سعر صرف 8000 ليرة، والأمر نفسه ينطبق على سعر صفيحة المازوت، وبالتالي الدولة تخسر مبالغ ضخمة من هذا الاجراء، في حين يُفقد المازوت من الأسواق نتيجة القدرة على تخزينه، خوفاً من رفع الدعم لاحقاً وإرتفاع الأسعار، ويعتبر أن هذه الطريقة يستفيد منها الغني والفقير، ويرى أن من الأفضل أن تخصص الدولة 400 ليتر من البنزين المدعوم للسائق العمومي، يحصل عليها سنوياً عند تسديده رسوم الميكانيك، بينما تخصص 100 ليتر لصاحب كل سيارة خاصة، وحينها سيكون الجميع مضطراً لدفع رسوم الميكانيك للحصول على القسائم التي يجب أن تكون مخصّصة على أساس رقم لوحة الآليّة.
من وجهة نظر نعمي، القوى السياسية هي من يروّج لمفهوم الدعم وتوهم المواطنين أن رفعه سيؤدي إلى إرتفاع الأسعار، بينما التحرير وفتح باب المنافسة قد يقود إلى خفضها، وطالبت أن يكون الدعم عبر قسائم أو مبالغ ماليّة تدفع مباشرة إلى الأسر الفقيرة والمتوسطة، لكنها تشير إلى أنّ الدولة في لبنان لم تكن يوماً عادلة في هذا المجال، وهذا ما أوصل البلاد إلى الواقع على ما هي عليه اليوم، وتؤكد أنه لا يمكن الإستمرار بالسياسة نفسها، خصوصاً أن المستهلك لا يلمس فعلياً هذا الدعم، والأمر نفسه ينطبق على التجار الصغار، وتضيف: "في الأصل السلع الغذائية المدعومة موجودة في المؤسسات الكبرى، أي تلك التي لا تذهب إليها الفئات الفقيرة والمتوسطة، بينما من المفترض أن تكون ضمن مخازن خاصة بإشراف الدولة في حال الرغبة في إعتمادها".
من جانبه، يشير شمس الدين إلى وجود سلع غير أساسية ضُمّت إلى السلّة الغذائية التي أعلنت عنها الحكومة، كالجوز والبندق والقهوة والشاي والمتّة، ويلفت إلى أنّ سبب ضمّها قد يكون ضغط التجار المستوردين لها، مع العلم أنّ الدعم سيكون على أساس سعر صرف 3900 ليرة مقابل الدولار وبالتالي ستبقى الأسعار مرتفعة، كما ان المستفيد منها سيكون المواطن والمقيم من النازحين السوريين والمحتاج وغير المحتاج، في حين كان من الأفضل أن يكون هذا الدعم محدّد المدّة، أي أن تعلن السلطات المعنيّة أنه سيكون لمدة 3 أشهر فقط لحين إحصاء العائلات المحتاجة فعلياً، لتقديمالدعم المباشر لهم.
بالنسبة إلى قطاع المحروقات، لا سيما مادة المازوت التي يفقتد المواطن وجودها ينعكس الأمر على تقنين الكهرباء الذي بات يشمل المولّدات الخاصة، ترفض أوساط معنيّة في القطاع، عبر "النشرة"، نظرية التهريب أو التبخّر، وتصف ما يُقال على هذا الصعيد بالكلام الفارغ، حيث تؤكّد أنّ المشكلة في فتح الإعتمادات والكميّات الصغيرة المتوفّرة في الأسواق، وتشير إلى أن الإستهلاك الأكبر هو ذلك المتعلق بمولدات الكهرباء الخاصة، وتضيف: "ليعالجوا أزمة الكهرباء وبعد ذلك لا نمانع تسليمنا 10% من الكمية".
على مستوى الأدوية، تستغرب مصادر معنيّة في القطاع، عبر "النشرة"، أن يشمل الدعم الدواء البرند والجنيريك، وترى أن السبب في ذلك قد يعود إلى رغبة في دعم المحتكرين أو ناجم عن جهل في ما يجب القيام به، نظراً إلى أن النتيجة تؤدّي إلى زيادة نسبة التهريب الّذي لا يتحمّل مسؤوليته الصيادلة، الذين يعانون أصلاً من تحديد الكميّات التي تسلّم لهم، وتضيف: "بعض أدوية البرند المعروفة بأسعارها في لبنان أقل من السعر الموجود في دول الجوار والمنطقة، الأمر الذي يفتح الباب أمام تهريبها"، وتؤكد بأنّ الحل هو بأن يقتصر الدعم على الجنيريك، ما يساهم في خفض الفاتورة الدوائيّة، لأن الأطباء والمواطنين سيتوجهون إلى هذا الخيار.
في المحصّلة، لا يملك لبنان، في ظلّ الأزمة القائمة، ترف الدخول في تجارب غير مجدية، والدعم من المفترض أن يوجّه إلى الفئات المحتاجة من المواطنين حصراً، وليس من المستحيل تحديد هؤلاء في حال كانت هناك رغبة حقيقيّة في ذلك.