يتوقف الدعم الغربي اليوم على مقدار تقيّد الحكومة اللبنانية بشروطها، على هذا الأساس أيضاً، تتأنّى الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، في الإعلان عن أيّ دعم واضح للبنان.
لن تجرؤ أي دولة أوروبية على تقديم دعم مالي للبنان من دون ضوء أخضر أميركي، وهذا غير متاح حتى الساعة، والخطة الغربية تقضي بانتزاع العديد من الخطوات السياسية والاقتصادية من الحكومة والسلطة السياسية قبل تقديم أي دعم. فالمساعدة الفرنسية مرتبطة حتى إشعار آخر بالإصلاحات المطلوبة من الحكومة، ومنها ما هو قاسٍ جدّاً، إنما لا يملك لبنان خياراً إزاء عدم تنفيذها.
يصل وزير الخارجية الفرنسي "جان إيف لودريان" في منتصف هذا الأسبوع (الأربعاء) بعد سلسلة انتقادات وجهها الى الحكومة اللّبنانية حول الإصلاحات. ولكن السؤال هو ماذا يأتي ليفعل هنا؟ لا إمكانية لتنفيذ مؤتمر سيدر، ولا للنّجاح مع صندوق النّقد الدولي، وحتى إن لا حلّ سياسي يتجاوب معه "حزب الله".
قد يكون من الصعب استخدام لغة أكثر صراحة من تلك التي لجأ إليها "لو دريان" من أجل قرع ناقوس الخطر لهيكل اليوم على شفير ان يتهاوى، إذ قال بهذه المناسبة، إن هناك اليوم خطر انهيار، يجب على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور، وأسمح لنفسي أن أقول لأصدقائنا اللبنانيين: نحن حقاً مستعدون لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم.
باريس تشعر بالأسى والإمتعاض من جهة تعاطي الحكومة اللبنانية الذي يترأسها "حسان دياب" ، اول الغيث كانت مهلة الـ ١٠٠ يوم التي رُوِجّ لها بأنها حققت الإنجازات لكنها لم تعطِ الطمأنينة للبنانيين ولا لدول المحيط والجوار وصولاً الى الغرب.
لكنها في الوقت عينه تعي جيداً ان رحيل الحكومة يعني "الفراغ الحتمي"، وبالتالي نتيجة الفراغ المزيد من المآسي وتفاقم المشاكل على الصعيدين الاقتصادي والمالي. هدف باريس ومعها واشنطن الممثلتين اليوم بوزير الخارجية الفرنسية "لودريان"، هو دفع عجلة الأمور ومحاولة دبلوماسية أخيرة لمواكبة ما يجري عن كثب، وقراءة لشفاه السياسيين اللبنانين فإن مصداقيتهم لدى القارة العجوز والغرب قد تداعت الى شكل بعيد.
آتٍ ليسأل ويتلقى أجوبة واضحة وإيجابية، وليس لذر الرماد في العيون، انطلاقاً من وعود دياب اولاً بتطبيق الشفافية والعدالة على الجميع، في محاربة الفساد، والتغيير في منهجية السلوك بالمحاصصة الفئوية والحزبية، وإصلاح النظام المالي والمصرفي، لكن لا شيء تحرك على هذا الصعيد، ولا لص أو فاسد جرّ الى قوس المحكمة، واليوم جديدها بدعة التحقيق الجنائي، كرة يتقاذفها اللاعبين السياسيين اللبنانيين من دون مرمى واضح فقط لتسجيل انتصار وهمي آخر رغم الصوت العالي النبرة الصادر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يبقى من دون أذان تسمع او تطبيق فعلي.
خائفة فرنسا ومبديةً قلقها إزاء الأوضاع في لُبنان، ومن احتمال الغرق في دوامة العنف، من شحن طائفي خطير يُمارس من مختلف الجهات.
لطالما الروابط التي تجمع ما بين فرنسا ولبنان روابط متينة وقديمة. فهي ثمرة تاريخ مشترك ونتيجة لتمسّك فرنسا بالنموذج اللبناني القائم على التعددية والتعايش والعيش المشترك.
أمّا اليوم نرى أداء السلطة السياسية في لُبنان عليه الكثير من الملاحظات، بعدم الأخذ او التلاقي مع طروحها لحل المشكلة اللبنانية، نذكر ان الرئيس الفرنسي "إمانويل ماكرون" وجه رسائل واضحة مرات عدة الى لبنان، وبقي التجاوب اللبناني معدوماً، ما دفع باريس الى تجميد مبادراتها والاكتفاء بالدور الذي يؤديه سفيرها في لبنان بمواكبة ما يجري، أي الدور الدبلوماسي المعتاد، من دون رفع مستوى التدخل الرسمي.
وعلى هذا الصعيد شعرت فرنسا بخطورة حتمية المصير، فأتتّ بشخصية رفيعة المستوى الى لُبنان ومعها عصا موسى، لتلتقي مع نداء بكركي "الحياد" والذي صدع الى اقاصي الغرب، ربما باريس عن لسان سفيرها ستوجه رسائل مشابهة عالية النبرة لمختلف الجهات، وتكرر تمسكها بسيادة لبنان واستقراره وأمنه، وحرصها على الشعب اللبناني، ومن الضروري فصله عن الأزمات الجارية في سياق التوترات الإقليمية القوية التي تقضي على كيانه وربما على وجوده!