عجّ "الديمان" بالضيوف السياسيين بعد مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول الحياد، خصوصا بعد التصريحين الأساسيين في هذا السياق، وكانا قد صدرا عن الراعي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من بقاعكفرا، اذ تمّ ربط كلام البطريرك الماروني مباشرة بسياسة قوى 14 آذار، التي تعمل على مدار الوقت لتحويل "الحياد" الى سلاح بوجه حزب الله.
ترى مصادر سياسية متابعة أن كلّ فئة حاولت تحويل "الحياد" الى الوجهة التي تريدها، فعملت قوى 14 آذار على وضعها بوجه حزب الله، ولم تأخذ بالإعتبار كل التفاصيل الخارجية التي تُصيب لبنان بمقتل. اما الراعي فقد ألبس "فكرة الحياد" ثوبا مسيحيًّا، ليضع بذلك ضغطا على كل القوى المسيحية في لبنان، وهذا ما حصل، اذ تشير المصادر عبر "النشرة" الى أن الأخيرة لا يمكنها أن تقف بوجه فكرة الحياد الصادرة عن الراعي، حتى ولو كانت سياسيا في ضفّة حزب الله، ولذلك كانت زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى الديمان، فتبنى الحياد ولكنه تمكّن من تحويله الى مكان آخر.
هذه المصادر، تعتبر أن باسيل أعطى مشروع البطريرك الماروني الإطار الذي يخدم الحلفاء لا الخصوم، بعد أن كان الطرح مجرد شعار غير واضح المعالم، في وقت كان الأفرقاء الأساسيين في هذه القوى، أي "حزب الله" و"حركة أمل"، يتجنّبان التعليق المباشر على مواقف البطريرك الماروني، ويكتفيان بالتأكيد أن من حقه التعبير عما يريد، تاركان الردود السياسية عليه لرجال دين الطائفة، على اعتبار أنه ليس من مصلحتهم، ولا من مصلحة أحد حصول سجال بينهما وبين الراعي، الأمر الذي يُحرج الحلفاء المسيحيين الذين تولّوا مهمة تصويب مسار "الحياد".
من وجهة نظر هذه المصادر، فإنّ ما أقدم عليه باسيل أراح "حزب الله"، الذي ليس في وارد الدخول في أيّ سجال مع البطريرك الماروني في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ لبنان، وبالتالي كان من الأفضل أن يقوم بذلك الحليف المسيحي، الذي بدوره قدّم إطاراً يعطي من خلال هذا الطرح معنى جديدا، يقوم على أساس أنه ليس لبنان ولا أحد من اللبنانيين من يرفض الحياد، بل هناك قوى أجنبية فرضت المعركة على اللبنانيين عندما أرسلت إليهم اللاجئين الفلسطينيين في 1947-1948، واحتلّت أراضيهم بعدها بسنوات، ثم اجتاحت لبنان عام 1982، وهناك قوى ربطت كل ما يجري في المنطقة بالصراع العربي الاسرائيلي، وبالتالي لم يعد ممكنًا الحياد عن ملفّ وعدم الحياد عن ملفّ آخر.
اذا، بات المشروع مرتبطا بالإجماع والحوار الوطني، بالإضافة إلى موقف القوى الخارجية المؤثرة في لبنان، بدل أن يكون مادة سجال داخلي، كما كان مساره في الأيام الماضية، بالإضافة إلى الموقف من الملفّات الحسّاسة على مستوى المنطقة، كصفقة القرن وملف اللاجئين الفلسطينيين، والمجموعات الإرهابيّة وملف النازحين السوريين، ولكن بحسب المصادر فإن الراعي مدعوّ لتقديم مشروع متكامل مفصل يتحدث عن فكرته، الى القوى السياسية اللبنانية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء، للإتّفاق حوله قبل حمله الى دول أجنبية سواء كانت الفاتيكان أو غيره، وقبل نقله الى مجلس الأمن الدولي، لأنّه من غير المعقول أن يظلّ "الحياد" خاضعا لتفسيرات شتّى، ومن غير المقبول الحديث عن تبنٍّ أجنبي للمشروع قبل التوافق الوطني عليه، أو أقله أخذ العلم بتفاصيله.
لا شكّ أن ملف الحياد سيحمل الكثير من التداعيات السياسية على لبنان، فهل يكون مقدّمة لانقسام سياسي حاد؟!.