لكل عهد ما يعتبره انجازاً بالنسبة اليه، على غرار ما يعتبره الرئيس السابق العماد ميشال سليمان انجازاً متمثلاً بـ"اعلان بعبدا". الرئيس الحالي العماد ميشال عون، ولو انه اعتبر اقرار الامم المتحدة اعتبار لبنان مركزاً لـ"اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" بمثابة انجاز للعهد، غير ان الصعوبة في تطبيقه وخصوصاً بعد التطورات الاخيرة ابعدت عنه صفة "الانجاز". حمل عون منذ بدء الحرب في سوريا وتدفق النازحين السوريين الى لبنان، مشعل عودتهم الى بلادهم، وهو لم يترك مناسبة الا وتحدث فيها عن هذا الامر، ولكنه لم يستطع تحقيق نتيجة ملموسة كما يرغب حتى اليوم في هذا الموضوع، لاسباب عدة لن نخوض في تفاصيلها، دون ان يعني ذلك تخليه عن هذا الهدف، علماً ان الامن العام بشخص مديره العام اللواء عباس ابراهيم قام بما عليه في هذا المجال واعاد قرابة النصف مليون نازح الى سوريا.
اليوم، ومع ظهور البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وتسويقه لفكرة "الحياد الايجابي"، وتوجه كل من يعارض عون الى اعتبار البطريركية بديلاً عن قصر بعبدا في هذه المرحلة، كما حصل في عهد الرئيس السابق العماد اميل لحود، يبدو ان الرئيس الحالي للجمهورية لن يقف مكتوف الايدي، وسيحاول ان يجعل من مسألة اعادة النازحين الى بلادهم "انجازاً" يتركه ليطبع ولايته الرئاسية. لا شك انّ الظروف والمعطيات حالياً كلها تصب في عكس ما يشتهيه عون، وها هي الرياح تسير بما تشتهيه سفينة البطريرك الماروني، الا ان عون لن يستسلم حتماً وهو سيراهن على المتغيّرات التي تعصف بالمنطقة وتطال لبنان في كل فترة، تماماً كما حصل في الاعوام السابقة خلال العقد الماضي من الزمن، مع اعتباره ان قضية عودة النازحين يمكن ان تشكل قاسماً مشتركاً للبنانيين اقوى بكثير من قاسم الحياد الذي لا يزال بحاجة الى الكثير من التفسير وتنفيذ البنود والتطمينات. ومن المهم الاشارة الى ان هذا السباق بين الهدفين اخد طابع التنافس الحثيث، لان فكرة "الحياد الايجابي" تكتسب اهميتها وفاعليتها بشكل اساسي من الاوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان حالياً على الصعد كافة، ووهجها سيخفّ بطبيعة الحال، عند حصول اي انفراج على الصعيد السياسي او الاقتصادي او المالي، ولن تلاقي عندها الاهتمام الكبير الذي تلقاه في الوقت الراهن.
اما موضوع اعادة النازحين، فهو اكثر قابلية للاستيعاب داخلياً، لان معارضيه باتوا قلّة فقط، وزادت فرص التلاقي حوله بفضل الازمة الخانقة التي تسيطر على لبنان، والتي جعلت من الصعب تأمين اقل قدر ممكن من الحياة الكريمة للبنانيين والنازحين على حدّ سواء، وحين تصل الامور الى حد الاختيار بين اللبناني والنازح، فلن تصب الامور في خانة النازحين اذا ما كانت ظروف عودتهم الى بلدهم متوافرة دون اي خطر على حياتهم. ولكن المشكلة الكبيرة تتمثل بالمعارضة الخارجية لهذا الملف، والتفضيل على بقاء النازحين في اماكنهم الى ان يتم ايجاد الحل المناسب للازمة السورية بشكل خاص، وازمة المنطقة بشكل عام، مهما تطلب ذلك من وقت.
في هذا السياق، يمكن فهم الكلام الصادر عن عون منذ ايام والذي المح فيه الى ضرورة الحديث مع السلطات السورية في ما خص هذا الملف، وتأكيده ترحيبها باستقبال المواطنين السوريين الذين لجأوا الى لبنان هرباً من الحرب والموت، يعتبر ان اعادة فتح القنوات مع سوريا لحل هذا الموضوع ثمناً رخيصاً اذا ما تمت مقارنته بالنتيجة العامة المتوقعة.
انطلقت المعركة بشكل شبه رسمي، وينتظر الجميع ما ستكون عليه النتيجة، علّها تصب هذه المرة في خانة اللبنانيين اياً تكن هوية الفائز.