كثيرون يتناولون اتقاقية كامب ديفيد التي ابرمت في شهر ايلول من العام 1978 من زاوية تثبيت وقف الحرب بين مصر والكيان الصهيوني وان اخطر ما في الاتفاقية انها غدرت بالجمهورية العربية السورية شريكة مصر الاقليمية والاستراتيجية في وزن موقف العرب سياسياً وعسكرياً مشكلين الرافعة والدعامة الاساسية في مواجهة اي معادلة قد تفرض على العرب ولذلك رفع شعار "لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سورية".
لكن الاخطر من كامب ديفيد هو توقيع اتفاقية سلام بين مصر والكيان الصهيوني في اذار من العام 1979 كونها تضمنت بنوداً مخفية بقيت كذلك حتى وقت قريب. بيد انه ومع مرور الزمن ظهر بعض من تلك البنود التي اقل ما يقال فيها انها مذلة لبلد بحجم وثقل مصر المنتصرة بحرب 1973 وبذلك يمكننا القول بان العدو الاسرائيلي استطاع الالتفاف على الهزيمة بشكل مؤقت ما ادى الى قبول مصر باتفاقية مذلة، لكن العدو الاسرائيلي وبنفس الوقت استمر بتنفيذ الالتفاف الاستراتيجي بهدف تطويق مصر العربية والعمل على نهب ثرواتها النفطيه والمائية وحتى قرارها السياسي وتحويلها من بلد يتمتع بخيارات واسعة الى بلد محدود الخيارات اقتصاديا وسياسياً وذلك بهدف ابعاد مصر عن ساحة الصراع العربي الاسرائيلي وبعزلها عن لعب اي دور مؤثر في محيطها العربي الافريقي وذلك لضمان بقائها رهينة السياسات الامريكية الاسرائيلية مرمية في احضان دول النفط العربيه الرجعية المطبعة مع العدو الاسرائيلي.
فاتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني وان كانت تهدف الى استعادة ما تبقى من ارض سيناء بيد ان شروط الاتفاقية سلبت مصر حق ممارسة السيادة المصرية الكاملة على سيناء وذلك بعد تحديد عديد الجيش المصري واماكن تمركزه اضافة الى منعه من ادخال او امتلاك اسلحة من شأنها تهديد العدو الاسرائيلي وذلك بهدف استمرار تفوقه العسكري على الجيش المصري عدة وعتادا.
منذ اتفاقية السلام مع العدو الاسرائيلي انحسر دور وتأثير مصر القاطرة عربياً واقليمياً وافريقياً لتصبح دولة مقطورة من امريكا ومن دول النفط الخليجية فاصيبت سياسات مصر العربية باضرار فادحة وتخبط مستمر الامر الذي جعل جمهورية مصر عاجزة مترددة في الدفاع عن ثرواتها المائية و امنها الاستراتيجي المتصل بمحيطها الافريقي.
في عهد رئاسة الزعيم جمال عبد الناصر استطاعت مصر تشكيل اكبر مظلة قومية عربية مع الجمهورية العربية السورية فكانت السند والركيزة في تمدد مظلة مصر وصولا الى افريقيا الامر الذي زاد من زخم وتأثير مصر الذي امتد من المحيط الى الخليج ومن خلال الادراك العميق لعوامل الصراع العربي الاسرائيلي نجح جمال عبد الناصر في بناء استراتيجيته دفاعيه مبكره مع افريقيا نظراً لاهمية وحيوية الامن الافريقي الاستراتيجي لمصر خصوصاً مع تلك الدول التي تتشارك معها نهر النيل مثل السودان واثيوبيا واريتريا واوغندا او تلك التي تتشارك معها الحدود البرية مثل ليبيا والسودان.
لا مجال لمقارنة دور مصر جمال عبد الناصر مع دور مصر السادات او مبارك او حتى السيسي فجمال عبد الناصر ادرك اهمية الابتعاد عن امريكا التي وصفها بناهبة الثروات العربيه والعائق الدائم امام تنمية وازدهار البلاد العربيه وتقدم شعوبها وهو القائل "عندما اكون على وفاق مع امريكا فاعلموا انني على خطأ" فما كان من جمال عبد الناصر الا الاتجاه نحو المعسكر الشرقي وروسيا خروتشيف تحديداً ثم نسج علاقات مهمة مع الزعيم اليوغسلافي جوزيف تيتو ثم اتجه شرقاً نحو الهند ليؤسس شبكة متينة من دول عدم الانحياز مع لال نهرو.
الجمهورية العربية السورية بهويتها القوميه وموقعها الجيوسياسي المؤثر شكلت لعبد الناصر البوابة الرئيسية والداعم الاساسي من خلال تكامل الجيشين المصري والسوري في تعديل ميزان القوى لمواجهة ما يتهدد الامن القومي العربي وباية مواجهه مع العدو الاسرائيلي ومن اقوال جمال عبد الناصر ان شبكة الامان لمصر لا تكتمل الا بالتكامل مع سوريه فمن دون سورية ستبقى مصر طائر بحناح واحد.
جمال عبد الناصر ابتعد عن امريكا وعن البنك الدولي متكلاً على قدرات مصر الذاتيه ونجح في بناء السد العالي الذي صار اغنيه يرددها الشعب العربي كما شهدت مصر في عهد عبد الناصر نهضة زراعيه صناعيه تنمويه وحتى تكنولوجيه مبكره فارقه ادت الى تكيف مصر مع قدراتها وانتاجها الذاتي الامر الذي عزز دفاعاتها الاقتصادية والانمائية والسياسية ما افسح المجال امام تطوير قدراتها العسكرية.
بيد ان مصر انور السادات ارتمت في احضان السياسة الامريكية حينها شهدت مصر عزالة ملحوظة وانحسار في دورها القومي والاقليمي حتى في دورها الاقتصادي والتنموي ثم جاء عهد حسني مبارك الذي حاول جاهداً بنأي مصر عن الصراع العربي الاسرائيلي منكفئا نحو الداخل فتحول اقتصاد مصر من منتح الى اقتصاد ريعي على القطعه ومبارك نفسه ادرك متأخراً مساوئ الارتهان للسياسات الامريكية وهو القائل "يللي يتغطى بالامريكان ينام عريان".
اما مصر السيسي وقفت جانب دول الخليج تتفرج على تنفيذ اكبر مؤامرة كونيه لاسقاط سوريه ولم تبد اية حراك لا اقليمي ولا دولي لوقف ما يجري في سوريه بل انها وافقت وبكل وقاحه على تعليق عضوية سوريه في الجامعة العربيه ومصر تعلم ان المؤامره التي تتعرض لها سوريه هي صناعه اسرائيلية امريكية خليجية متخلية عن سوريه جناحها الثاني وظهرها الاقليمي فتحولت بذلك مصر السيسي الى دولة تتغطى بمظلة امريكية بالتكافل والتضامن مع دول النفط الخليجي طمعاً في مساعدات ماليه منها ومن صندوق النقد الدولي وبذلك رهنت مصر قرارها السيادي وصارت عباره عن دولة مروجة و مسوقه لفكرة السلام مع العدو الاسرائيلي.
يبقى السؤال، لو ان مصر بقيت على مبادئ القائد القومي المؤسس للجمهورية العربية المتحده هل كان للعدو الاسرائيلي الجرأة للتفكير باعلان صفقة القرن وهل كانت امريكا بعظمتها تجرأت على اعلان نقل سفارتها للقدس وهل وهل كان يجرؤ العدو الاسرائيلي على اعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني وهل امكنه تطويق مصر باتفاقيات وداي عربه واوسلو هل كان بامكان العدو الاسرائيلي جعل مصر تتسول حصه من مياه النيل بعدما كانت سيدة النيل ونجحت في بناء السد العالي رغماً عن انف امريكا والبنك الدولي محافظة بذلك على قرارها السيادي وهل كان للعدو الاسرائيلي النجاح في الوصل الى اثيوبيا واريتريا والسودان وهل كان لاردوغان اي امكانيه للتمدد و للتموضع العسكري والسياسي في كل من ليبيا والسودان والف هل والف لو.
ان مصر اليوم تقف مربكه عاجزة عن مواجهة التهديد في شح مياه النيل من جهة سد النهضه بدعم اسرائيلي اضافة الى التهديد الامني من جهة ليبيا والسودان.
نقول ان مصر في تراجع مستمر في لعب اي دور فاعل في المنطقه وعلى مستويات استراتيجيه فالسبيل الوحيد لاستعادة دور مصر المحوري الفاعل هو بالعودة الى مبادئ وفكر واستراتيجية جمال عبد الناصر وفي مقدمها اعادة الالتحام مع الجناح الثاني اي مع الجمهورية العربية السوريه بقيادة الرئيس بشار الاسد وان تعمل مصر على حماية ودعم سوريه في مواجهة الهجمة الكونيه وعلى كل المستويات وحتى العسكرية منها والا فان مصر ستبقى في حالك ضمور استراتيجي.
شاء الله تعالى تغييب الزعيم جمال عبد الناصر رافق ذلك اضمحلال لدور مصر القوميه لكن الله سبحانه عوض الامة القوميه العربيه بسيادة الرئيس بشار الاسد الذي حافظ مبادئ قومية الزعيم جمال عبد الناصر المؤمن بجدوى العمل العربي المشترك والتي زرعها والده الرئيس حافظ الاسد فالرئيس بشار الاسد بصموده الاسطوري وبصلابته النادره جعل من الجمهورية العربية السوريه عصية على محاولات تطويقها المدعومة من امريكا واسرائيل بتمويل من عرب النفط وبذلك نستطيع القول ان سوريه هي الدولة الوحيده التي تشكل سدا منيعاً بوجه اطماع امريكا واسرائيل وحتى بوجه اطماع اردوغان رغم كل الظروف القاسيه.
ان الجمهورية العربية السوريه بقيادة الرئيس بشار حافظ الاسد اضحت القائد لمحور المقاومه ضد الاطماع الامريكية الاسرائيليه والسد المنيع بوجه تغيير وجه وهوية المنطقه العربيه وصارت القاطره الاساسية والعمود الفقري للقومية العربي.