لم تتصرف جمهورية مصر العربية بحنكة في شأن سوريا خلال السنوات الماضية. هي تفرّجت أو تحرّكت سياسياً ودبلوماسياً بخجل وتردّد، رغم أن التجارب يُفترض ان تكون علّمت المصريين أن ضرب سوريا إستهدف الأمن القومي العربي الذي تشكّل مصر قلبه وشريانه وعاموده الفقري. كانت القاهرة الخارجة سريعاً من شرنقة حكم "الإخوان المسلمين"، بعد تجربة قصيرة المدى، إلى رحاب القيادة العسكرية لمؤسسة موثوق بها مصرياً وعربياً ودولياً، كانت تصوّب عينيها بإتجاهين: عين نحو واشنطن، وأخرى بين الرياض وابوظبي.
لم تظهر في السنوات التي سبقت عام ٢٠٢٠ أي خطوات عملانية حاسمة لدعم دمشق. رغم ان المزاج العربي، ولا سيما الخليجي بإستثناء قطر، كان يميل نحو إعلان الإنحياز الى دمشق، ومجابهة المخاطر النابعة من برامج ومخطّطات وتصرفات الأصوليات والحركات الإسلامية المتشدّدة، بدليل إعادة فتح سفارة الإمارات في الشام، والإستعداد لتكرار الفعل الإماراتي من قبل المملكة العربية السعودية، لكن يُرجّح هنا ان يكون الأميركيون منعوا إستكمال الخطوات الدبلوماسية العربية تجاه سوريا، فجمّدت الرياض خطواتها التي كانت مرتقبة في الأشهر الماضية.
كان يُمكن لمصر أن تتقدّم الصف العربي في المجاهرة بالوقوف خلف دمشق ودعم الدولة السورية عملياً في حربها ضد الإرهاب، بعدما بان وجه المعركة في شمال وشرق سوريا. لكن القاهرة تريّثت، فخسرت مقعدها الريادي العربي، في وقت كانت سيناء المصرية تشهد تمدّد المدرسة الارهابية نفسها التي تقاتل السوريين. لم تنحصر التحديات المصرية هنا، بل تمّ تظهيرها على حدودها مع ليبيا، ليأتي أيضاً سد النهضة في اثيوبيا ويفتح أزمة وجودية لمصر العربية.
فأي أولوية للقاهرة حالياً؟.
تتحدث معلومات عن أنّ الوضع الميداني خطير في سيناء، لعدم نجاح كل المعارك العسكرية ضد "الدواعش" هناك. الخطير ما تمّ نقله عن تقارير إسرائيلية: "الجيش المصري تخلّى فعليّاً عن ملاحقة داعش في سيناء، ومنذ نهاية شهر رمضان، لم يقم إلا بجهود متواضعة لإحتواء خطر التنظيم وعملياته، وباتت قوات الأمن المصرية تخوض حرباً مع معسكرات بدوية متنافسة، حيث لا توجد فيها قواعد عسكرية".
الأخطر ان الكلّ يتفرج على مصر، من دون مواكبة دولية، ولا مؤازرة ميدانية لأي حليف او صديق لها، كما فعلت روسيا أو إيران مثلاً مع سوريا. بينما لا تقدر ولا ترغب القوات المتعدّدة الجنسيات بتقديم اي دعم عسكري، في وقت يدفع الأميركيون بإتجاه إخلاء 430 جندياً أميركياً بالكامل من هناك.
واذا كان المصريون يعتمدون على قبائل بدوية في سيناء لمواجهة الدواعش، فهل تتكرّر تجربة ديرالزور السورية؟. يتبيّن أن العناصر المتشدّدة هم أبناء القبائل نفسها، مما يرجّح التوجه نحو مواجهات داخلية. سيكون الجيش المصري مضطراً للتدخل عند الحاجة، في وقت تزداد حدوده مع ليبيا سخونة، حيث تتحرك عناصر متطرفة او "اخوانية" في برنامج معدّ يتوافق مع المخطط "الإسلامي" الذي تُشرف على تنفيذه تركيا ضد الجيش المصري، وهو يستنسخ محطاته مما حصل في إدلب ضد الدولة السورية.
لذا، وجدت إثيوبيا الوقت مناسباً لملء سد النهضة بمياه نهر النيل، بعد انشغال القاهرة بتطورات ميدانية خطيرة بمختلف الإتجاهات.
لو تدخّلت مصر في سوريا عسكرياً في السنوات الماضية للمشاركة في ضرب الدواعش والمتطرفين ما كانت شهدت انتقالهم من إدلب لتهديد حدودها وأمنها القومي في ليبيا.
لو كانت أرسلت مصر قيادات عسكرية لمؤازرة نظرائهم السوريين، شكلياً بالحد الادنى، لكانت القاهرة ترأست محور العروبة في التصدي لكل أشكال التطرف.
جرى استفراد سوريا، بتحييد الدول العربية عنها، والآن يجري استهداف الباقي تدريجياً، بدءاً من مصر.
ماذا يبقى للعرب؟ وما العمل؟ لن يبقى قوة، بعد استهداف الركنين السوري والمصري. لكن الوقت لا زال يسمح للجيش المصري للقيام بخطوات عربية تجمع الشعوب خلفه في معركة ضد الإرهاب من سيناء، إلى ليبيا، الى سوريا، الى العراق، بالتوازي مع خطاه بشأن نهر النيل مع إثيوبيا والسودان. حان الوقت للإعتراف العربي الشامل بالأخطاء الإستراتيجية، بدل انتظار جولات التفاوض الأميركية-الإيرانية الآتية، أو الإشارات الغربية بشأن التمدّد التركي في بلاد العرب.