لاريب أن النزوح السوري الى لبنان، أسهم ويسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعانيها البلد، فقد بلغت كلفة هذا النزوح نحو 20 مليار دولار، ووصل النقص في حاجات البلديات، إلى 350 مليون دولار حتى 2015 فقط، حسب البنك الدولي، و لا تغطي المساهمات الدولية إلا نحو 50% من كلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني والموازنة والبنية التحتية والأمن واحتياجات السلطات المحلية. وفي الوقت عينه تشكل هذه الأزمة مصدر أرباح وفيرة، لبعض الجهات و"الجمعيات" المحلية وغير المحلية، التي تعنى بمتابعة أوضاع النازحين، ومادةً دسمةً للمزايدة السياسية بين الأفرقاء اللبنانيين، المنقسمين حول اتخاذ قرار "العودة المرتجاة"، ما إذا كانت آمنة أم طوعية.
وفي ضوء هذا الانقسام، فإن أزمة النزوح آيلة إلى مزيدٍ من التعقيدات والتدهور، وسترتب انعكاسات خطيرةٍ على الاقتصاد اللبناني، ولا حل لها، إلا بإتخاذ موقف وطني جامع وحاسم منها، لما تشكل من تهديدٍ جديٍ لأمن البلد الاقتصادي والاجتماعي، كذلك المس بتركيبته الديموغرافية، بحسب ما يؤكد باحث في الشؤون الاقتصادية. ويثني على دوري الأمن العام اللبناني، الذي أسهم بعودة نحو450 ألف نازح الى بلادهم، حتى شباط 2020،( أي قبل إقفال الحدود اللبنانية، بسبب تفشي وباء "كورونا")، كذلك ما قامت به وزارة الاقتصاد، لجهة مكافحة بعض المخالفات الناجمة عن النزوح، كإقفال المحال والمؤسسات التجارية وسواها، غير المرخصة، التي يديرها نازحون. ولكن كل ذلك أشبه "بالمسكنات الموضعية"، على حد تعبير الباحث، ويحذر من نشوء اقتصاد بدليل في لبنان، يؤدي إلى استنزافه مالياً واجتماعياً، كذلك يهدد مصالح اللبنانيين، وفرص أعمالهم، نتيجة فوضى النزوح، وإدخال هذه الأزمة في "البازارات السياسية"، في وقتٍ يتطلب حلها، موقفاً جامعاً على المستوى الوطني، يختم الباحث.
وفي السياق، توكد مصادر سياسية قريبة من دمشق، بدورها، أن العقبة الأساسية التي حالت دون إتمام عودة النازحين إلى ديارهم سابقاً، هو الانقسام في الموقف الرسمي اللبناني، في شأن قرار العودة، فيما إذا كانت طوعية أم آمنة، نتيجة ضغوط دولية وإقليمية على السلطة اللبنانية.
ففي الحالة الأولى، أي العودة الطوعية، تجزم المصادر أن "العودة" ستكون بعيدة المنال، في ضوء استمرار الإغراء والتخويف والضغط الدولي، لعدم تحقيقها، كونها تؤكد انتصار الدولة السورية .
أما في الحالة الثانية، أي العودة الآمنة، هنا يتطلب الأمر، اتخاذ قرار من الحكومة اللبنانية بذلك، ثم إبلاغ السلطات السورية لتأمين الظروف الملائمة لهذه العودة، وتؤكد المصادر أن هذه السلطات لاتزال تنتظر قراراً من الحكومة اللبنانية، للتنيسق في شأن جدولة العودة، تختم المصادر.
وتأكيد على كلام المصادر المذكور آنفاً، يلفت مرجع معني بالعلاقات اللبنانية- السورية إلى أن الأمانة العامة للمجلس الأعلى اللبناني- السوري، سعت إلى إيجاد حلٍ ملائمٍ لأزمة النزوح السوري إلى لبنان ما بين العامين 2013 و2014، ووضع جدول زمني لإعادة النازحين الى سورية، وتم التواصل مع الجهات الرسمية في لبنان وسورية، وفي مقدمهم رئيسا الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان، والحكومة نجيب ميقاتي في حينه، وبالتنسيق أيضاً مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وجرى التوصل إلى اتفاق يفضي إلى تأليف لجنة مشتركة لبنانية – سورية، تشارك فيها الدوائر المعنية في شؤون النازحين في الأمم المتحدة، لتضع برنامجاً مرحلياً لبدء عودة النازحين إلى بلادهم. لكن بعد التوافق على أسماء أعضاء اللجنة، أبلغ الجانب اللبناني "الأمانة العامة"، أنه غير قادر على إصدار القرار المناسب في شأن تأليف هذه اللجنة، وتمنى التمهّل آنذاك، وحتى الساعة لم تبصر هذه اللجنة النور.
أما المتغير اليوم على خط الأزمة المذكورة، ما أكده مصدر رسمي معني بالعلاقات اللبنانية ـ السورية أن الخطة الحكومية للنازحين التي أقرها مجلس الوزراء في الأيام القليلة الفائتة، تبحث على أكثر من صعيد وبين الأطر المختصة بين لبنان وسورية ويجري العمل على خطة لتطبيق بنودها على أرض الواقع، علماً أن معظم البنود موجودة في الخطة التي أقرتها حكومة الرئيس ميقاتي الذي رفض حينها تطبيقها. وأشار المصدر الى أن تطبيق الخطة يتطلب تنسيقاً معيناً مع الحكومة السورية وعلى مستوى سياسي، لافتاً إلى أن الخطة تلحظ وجود لجنة للتنسيق بين الدولتين سيجري العمل على تفعيلها.
وعن عقوبات "قانون قيصر" الأميركي على سورية، فقد أرسلت وزارة الخارجية اللبنانية كتاباً إلى وزارة الخارجية الأميركية، تطلب فيه موافقة الأميركيين على بعض الاستثناءات المتعلقة بالترانزيت والكهرباء والتبادل التجاري بين الدولتين اللبنانية والسورية.
وما يزيد التأكيد على أن خطة إعادة النازحين، أضحت على "نار حامية"، وهي آيلة إلى التفيذ، هو عزم رئيسي الجمهورية والحكومة، العماد ميشال عون والدكتور حسان دياب على عقد مؤتمر "عودة النازحين" في القصر الجمهوري في بعبدا في 29 و30 الجاري، لوضع الأطر العملية، لتفعيل العودة المرجوة.