منذ 8 سنوات أصبح الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة، وفي العام 2017 تم إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، ولكن كل ذلك كان في بلد لا يعاني إقتصادياً كما يعاني اليوم، وبظل سعر صرف لليرة مقابل الدولار هو 1500 فقط، بينما اليوم وصل الدولار إلى عتبة الـ10 آلاف ليرة، ووقع التضخم، وارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني، وارتفعت معدّلات البطالة إلى نحو غير مسبوق، فأصبح الراتب، إن وُجد، لا يكفي ثمن الطعام، فهل أصبح تعديل الرواتب ضرورياً، وهل يوجد قدرة على تحقيق ذلك؟.
وصل سعر صرف الدولار اليوم الى حدود 7500 ليرة، وعلى هذا الأساس سنقوم برسم مشهد الرواتب والاجور للقطاع العام بحال أرادت الدولة رفعها بنفس قيمة إنهيارها، وفي هذا السياق يشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين الى أن الحدّ الأدنى للأجور كان يبلغ 450 دولارا، بينما هو اليوم 90 دولار، أي أن القيمة انخفضت بحوالي 80 بالمئة، مشيراً في حديث لـ"النشرة" إلى أنّ الدولة تدفع سنوياً على الرواتب والاجور في القطاع العام حوالي 12 ألف مليار ليرة، وبحال أرادت تصحيح الاجور ستحتاج إلى حوالي 22 ألف مليار ليرة، بينما إيراداتها كانت في العام الماضي حوالي 17 ألف مليار ليرة، ما يعني أن كل الإيرادات لا تكفي لتصحيح الاجور بحال بقي سعر صرف الدولار على هذا المستوى.
من جهته، يرى مدير عام المجلس الإجتماعي الإقتصادي محمد سيف الدين أن الاجور خسرت قيمتها مع الأزمة الاقتصادية والمالية، والتي أدّت الى أزمة نقد، ومن بعدها أزمة "الكورونا" وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل بسبب إقفال المؤسسات الخاصة، مع الإشارة إلى أن هناك من يقبض نصف راتب وربع راتب، مشدّداً على أن التعويضات أيضاً التي حصل عليها الموظف بعد تقاعده خسرت قيمتها، وهذا يرفع من منسوب التحدّي والمسؤولية في آن واحد.
ويضيف في حديث لـ"النشرة": "خسرت سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام قيمتها، وخسر موظفو القطاع الخاص قيمة رواتبهم التي لم تكن أصلاً قد خضعت للتصحيح السليم في السنوات الثماني الماضية، وهذا ما فاقم الأزمة، وخلق حالة طوارئ إستثنائية"، مشيراً إلى أنه لا يوجد شعب في العالم قادر على تحمّل هذا الفارق الكبير بين الراتب وقوّته الشرائية، لمدة طويلة.
إن هذا الواقع السيّء للرواتب يعني أن لا مناص من التدخل لتصحيحه، ولكن هذا لا يمكن أن يحصل بكبسة زر، أو عبر طبع كميات إضافية من الأموال بالليرة اللبنانية، لأن التضخّم الذي فينا يكفينا، إنما هناك ضرورة قصوى بحسب سيف الدين لإعادة البحث برفع الحد الأدنى للاجور بالقطاعين العام والخاص ضمن ورشة إعادة النهوض بالإقتصاد، أيّ ضمن التفكير بكيفية إعادة تشغيل الاقتصاد، مشدداً على أن هذا الأمر لا يمكن أن يحصل اليوم لأن القطاع الخاص لن يتمكن من الاستمرار، وبالتالي سيتسبّب الأمر في ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل والتي تبلغ اليوم 32 بالمئة، حيث يصل عددهم في لبنان إلى حوالي 430 ألف من أصل مليون و350 ألف مواطن ينتمون لفئة القوى العاملة.
إن أي تحريك لسعر الصرف الرسمي بمصرف لبنان قبل إعادة النظر بالرواتب سيسبب إنهيارا تاما في المجتمع اللبناني، لأنّ الراتب عندها لن يكفي لدفع إيجار منزل، وبالتالي فإن الأمور مترابطة بعضها ببعض، إذ لا يمكن رفع الرواتب، أو تعديل الحدّ الأدنى للاجور راهنا، ولا يمكن بنفس الوقت عدم بدء الحديث عن رفعها بالمستقبل القريب ليتمكن المواطن من الاستمرار بعد إعادة تشغيل العجلة الإقتصادية.