شغلت الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، في الوقت الراهن، إلى بيروت، الأوساط المحلية منذ ما قبل وصوله، في ظل التسريبات التي سبقته حول ما يمكن أن يطرحه خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، لا سيما بالنسبة إلى المبادرة الشاملة التي جرى الحديث فيها عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد يطلقها.
إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن حاجة لبنان إلى فرنسا لمساعدته على تجاوز الأزمة الإقتصادية التي يمر بها، تقابلها حاجة فرنسية إلى لبنان ولضمان الإستقرار فيه، نظراً إلى التداعيات التي قد تترتب من جراء الإستمرار في تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، خصوصاً بالنسبة إلى ملفّ الهجرة غير الشرعيّة في ظل الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، بالتزامن مع تزايد أعداد اللبنانيين الذين قد يفكرون في هذا الخيار.
بالنسبة إلى هذه المصادر الإهتمام الفرنسي بالملفّ اللبناني معروف، وهو لا يعود فقط إلى العلاقة التاريخيّة بين البلدين، بل أيضاً إلى عدة عوامل أخرى، منها وجود القوة الفرنسية ضمن قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، بالإضافة إلى أنّ بيروت تمثل الساحة الأساسية التي من الممكن أن تلعب فيها دوراً في منطقة البحر المتوسط، في ظل تراجع دورها في الدول الأخرى، وبالتالي لها مصلحة أساسية بعدم الخروج من المشهد بشكل نهائي.
من وجهة نظر المصادر نفسها، إن الرسالة الأساسية من زيارة لودريان في الشكل تكمن بأن لبنان غير متروك، وبالتالي باريس مستعدة لتقديم المساعدات التي يحتاج لها، لكن المطلوب من اللبنانيين المبادرة إلى مساعدة أنفسهم أولاً، وهو ما أعاد التشديد عليه الزائر الفرنسي بالحديث عن الإصلاحات المطلوبة ومكافحة الفساد، حيث لا تزال الإجراءات دون الحدّ الأدنى المطلوب، الذي من الممكن أن يفتح الباب أمام الدول والجهات المعنية لتقديم المساعدات، وعلى رأسها تلك المقرّرة في مؤتمر "سيدر".
في المقابل، تشير المصادر السّياسية المطّلعة نفسها إلى أن وزير الخارجية الفرنسية لا يحمل معه أيّ مبادرة عمليّة، بدليل عدم تضمّن جدول أعماله لقاءات مع القوى السياسية، حيث اقتصرت الجولة التي يقوم بها على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة حسن دياب، بالإضافة إلى لقاء مقرر مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في حين أن أي طرح جديد من المفترض أن يناقش مع باقي الأفرقاء الفاعلين.
إنطلاقاً من ذلك، ترى هذه المصادر أن هذه الزيارة تأتي في سياق تقديم النصح إلى اللبنانيين، على قاعدة إلقاء الحجّة عليهم بأن المطلوب أن تبادروا أنتم قبل أن تنتظروا أي مساعدة خارجية، الأمر الذي يربطه البعض بالموقف الأميركي الرافض لأيّ مبادرة تجاه لبنان، لا بل هو في طور تشديد الضغوط التي يمارسها بشكل أو بآخر، وبالتالي باريس ليست في وارد، على الأقلّ حتى الآن، الدخول في مواجهة مع واشنطن، إلا إذا برهن اللبنانيّون رغبة في القيام بخطوات عملية.
وفي حين تنفي المصادر نفسها المعلومات عن تواصل فرنسي مع "حزب الله" حصل قبل الزيارة، تشير إلى أن المساعدات التي قرّرت باريس تقديمها إلى بعض المؤسسات التربويّة قد تكون هي العنوان الأساسي لها، إلا أنّها تلمّح إلى أنّها قد تكون تمهيدية لطرح مبادرة ما في وقت لاحق، وتشدد على أنّ حجم أي دور يرتبط بالموقف الأميركي، بالرغم من الهامش الواسع لفرنسا في التحرّك، نظراً إلى أن لديها قنوات إتصال مفتوحة مع مختلف الأفرقاء، بمن فيهم "حزب الله" المصنف إرهابياً من قبل العديد من القوى الغربية.
في المحصلة، الإهتمام الفرنسي بالساحة اللبنانية لم يصل إلى مرحلة تقديم مبادرة عملية لمعالجة الأزمة الراهنة أو التخفيف من تداعيتها، لكنه في المقابل يظهر حرصاً من باريس أو رغبة في عدم سقوط لبنان فيما هو أخطر في المرحلة المقبلة، بشرط أن تبادر القوى المحلية المعنية للقيام بما هو مطلوب منها على مستوى الإصلاح.