يختلف التاريخ إلا أن الحدث عينه يتكرر، ولو بصورة مغايرة. بالأمس، تعرّضت طائرة "ماهان" الإيرانية المتجهة من طهران إلى بيروت لاستفزاز من قبل مقاتلتين أميركيتين من نوع "أف-15". وفي الأمس البعيد (في العام 1988 تحديداً)، تعرّضت طائرة "إيران إير" المتجهة من مطار بندر عباس في ايران إلى مطار دبي لاستهداف صاروخي أميركي راح ضحيتها 290 شخصاً.
حدثان يتشابهان في هوية المُستهدَف (إيران) والمستهدِف (أميركا) والظروف التي رافقت الإستهداف. في حادثة عام 1988، كانت التوترات قد وصلت إلى أوجّها في مضيق هرمز بين إيران وأميركا. كذلك، تترافق حادثة أمس مع إرتفاع حدة التوتر في المنطقة بشكل غير مسبوق.
بعيداً عن التاريخ، وفي تفاصيل الحادثة الأخيرة، أقدمت طائرتين حربيتين على مضايقة طائرة ركاب إيرانية تابعة لشركة "ماهان" متجهة إلى بيروت، ما أجبر الطيار على الهبوط بشكل إضطراري، وأدى ذلك إلى إصابة عدد من الركاب. برّرت أميركا الحادثة بأن "الهدف كان التحقق من هوية الجسم الطائر لضمان أمن قواتنا بقاعدة التنف بسوريا". هذا الموضوع لم يقنع الإيرانيين، الذين اعتبروا أن التبريرات الأميركية "غير مقنعة وهذه الخطوة تناقض حرية الملاحة الجوية للطيران المدني واتفاقية شيكاغو".
خرقٌ للقانون الدولي
أكد الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسية الدكتور نعيم سالم أن ما قام به الأميركيون هو خرق مزدوج للقوانين الدولية، الأول يتمثّل بخرق السيادة السورية إذ ان الحادثة حصلت في السماء السورية، أما الثاني فيتمثل بمضايقة طائرات عسكرية لطائرة مدنية تنقل ركاباً.
وفي حديث مع "النشرة"، أوضح سالم أنه "وفق القانون الدولي، في حال شكّت إحدى الدول بأحد الأجسام الطائرة فهناك قواعد معينة للتواصل معها لا تكون عبر مضايقتها في السماء وتهديد ركابها والاقتراب منها بشكل خطير"، معتبراً أنه "في حادثة طائرة ماهان، كان المقصود إيصال رسائل تهويلية لإيران، والمفارقة أن المسؤولين الأميركيين لم ينكروا هذه الواقعة رغم أن تحديد هوية الطائرة مسألة تقنية سهلة لديهم".
ورأى سالم أن "هذه الرسالة التهويلية تأتي ضمن تلك التي بدأت منذ أشهر وكان أبرزها اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، إضافة للإنفجارات التي حصلت في الأسابيع الماضية، وهي جميعها في خانة واحدة".
بما يخص الردود القانونية التي يمكن أن تلجأ لها طهران بعد هذا الحادث، لفت سالم إلى أنه "يمكن تقديم شكوى لمنطمة الطيران المدني الدولي، ولكن عملياً لن يكون أي أثر لذلك، ولو قدمت الشكوى لمجلس الأمن فأميركا موجودة فيه ولن يمر الموضوع".
الضغط النفسي
أسئلة عديدة تطرح حول التوقيت وحول النقطة الجغرافية للحدث، خصوصاً بعد مجاهرة أميركا بفعلتها وتبرير ذلك بـ"التأكد من طبيعة الجسم الطائر".
في هذا السياق، شدد الكاتب والمحلل السياسي الإيراني حسين ريوار أن "الطائرات المدنية تطير على ارتفاع واضح وضمن إطار خط دولي محدد وهي لا تطير في خطوط عشوائية، وبالتالي فإن تبريرات واشنطن بأنها أرادت التأكد من هوية الجسم الطائر هي حجج واهية"، موضحاً أن "ما حصل واضح جداً، أميركا قامت بعمل عدائي ضد طائرة مدنية، ما اضطر قبطانها إلى إنزال الطائرة من ارتفاع 32 ألف قدم إلى ما دون الـ20 ألف، للإبتعاد عن المضايقات".
واعتبر ريوار أن "واشنطن تستخدم كل المضايقات للضغط نفسياً على إيران، فلو كان لديها نية لارتكاب الجريمة كانت ستقوم بإسقاط الطائرة بكل برودة، وبالتالي ما حصل هو رسالة ضغط نفسي، تُضاف إلى الضغوط الإقتصادية التي تعاني منها إيران".
بما يخص التبريرات الأميركية، تساءل ريوار "هل أصبحت قاعدة التنف منطقة من الولايات المتحدة الأميركية"؟، مشدداً على أن "أميركا تحتل المنطقة وهي اليوم تشرّع لنفسها الأجواء أيضاً، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الطائرة لم تكن أساساً في هذا المجال بل كانت في الخط الدولي المعترف به".
في موضوع الرد الإيراني، رأى ريوار أنه "لحد الآن ليس هناك أي تصريحات رسمية في إيران حول كيفية الرد، ولكن الواضح ان طهران لن تسكت، إلا أن كيفية الرد غير واضحة بانتظار الإنتهاء من التحقيق بكل ملابسات الحادثة".
إن اختيار القوات الأميركية لطائرة إيرانية متجهة من طهران إلى بيروت، مروراً بالعراق وسوريا، قد لا يكون عبثياً، وقد يكون "بيت القصيد" هنا. الأكيد أن المقصود ليس استهداف الطائرة، وإلا لفعلتها أميركا، فهل تكون حادثة أمس تذكير أميركي لطهران بأن طريق طهران-بغداد-دمشق-بيروت ليست آمنة؟.