تشبه مشكلة النفايات في لبنان قصة "ابريق الزيت"، حيث تغيب الحلول العملية عن الواجهة لتظهر تلك التي تأتي في إطار "الترقيع"، ما يؤدي إلى عودة الأزمة من جديد بين الحين والآخر، وكأن لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي تنتج نفايات تحتاج إلى معالجة.
إنطلاقاً من هذا الواقع، عاد مطمر الكوستابرافا إلى الواجهة، بعد أن أعلنت بلدية الشويفات وإتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، قبل أيام، إقفال المطمر أمام النفايات التي تأتي من مناطق أخرى، أي جزء من بيروت وبعبدا والشوف وعاليه، نهاية الشهر الحالي، بعد أن كانا قد أعلنا عن قرار مماثل قبل نحو عام أيضاً.
في الجديدة، الوضع ليس أفضل، إذ من المتوقع أن يصل المطمر إلى قدرته الإستيعابية القصوى مرة جديدة خلال شهرين، بحسب ما يؤكد رئيس بلدية الجديدة أنطون جبارة لـ"النشرة"، الأمر الذي يفرض على المعنيين البحث عن حلول علمية ومستدامة بأسرع وقت ممكن، كي لا تعود القمامة لتتكدس في الشوارع، مع العلم أن مدة التمديد 3 أشهر، التي أقرت في شهر أيار الماضي، من المفترض أن تنتهي في بداية الشهر المقبل.
في ظل الواقع الصحي الذي تمر به البلاد، لا سيما مع دخول فيروس كورونا المستجد مرحلة الإنتشار الوبائي، كان من المفترض أن تتحرك كل إدارات الدولة لمعالجة هذه الأزمة، وربما وضعها بنداً أولَ على طاولة مجلس الوزراء، لكن عملياً لا شيء من ذلك حصل، الأمر الذي تُطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام.
بالنسبة إلى مطمر الكوستابرافا لم يتم التوصل إلى أي حل حتى الآن، بينما بالنسبة إلى مطمر الجديدة الإجتماعات متواصلة لهذه الغاية، وكان آخرها يوم أمس، بحسب ما كشف جبارة، الذي تحدث عن عدة حلول مطروحة يتم البحث فيها حالياً، ويأمل الإتفاق على واحد منها خلال اسبوع.
على الرغم من ذلك، يشدد جبارة على رفضه فكرة طرح توسيع المطمر بإتجاه الأرض المردومة، التي يعود حق الإستثمار فيها إلى بلديتي الجديدة وبرج حمود، وبالتالي المطلوب البحث عن حلول أخرى، "بعد أن تحملنا كثيراً في الفترة الماضية"، إلا أنه يرفض الكشف عن الحلول التي يتم النقاش فيها كي لا يؤدي ذلك إلى نتائج سلبية.
المواطن لم يعد يتحمل المزيد من المماطلة في هذا الملف، حيث يكفيه التقنين الحاصل في الكهرباء، بالإضافة إلى إرتفاع الأسعار بشكل جنوني وتراجع القدرة الشرائية، بالتزامن مع واقع مرير على المستوى الصحّي، وبالتالي لا يحتاج إلى عودة مشاهد النفايات في الشوارع من جديد، خصوصاً أن الحكومة الحالية من المفترض أن تكون حكومة تكنوقراط.
وبناء على ما تقدم، سنكون مضطرين، للمرة الثانية، إلى التوجه لوزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، لتذكيره بالمهام الملقاة على عاتقه في هذا المجال، لأنه على ما يبدو غائبا عن السمع ولا يدرك حقيقة الأزمة القادمة في الأيام المقبلة، علّه يتحرك لإيجاد حل قبل فوات الآوان، مع العلم أن حكومة التكنوقراط من المفترض أن يكون لدى أعضائها الخطط المسبقة، لا سيما بالنسبة إلى الأزمات المعلومة.
لن نتوجه بالسؤال إلى قطّار عن أسباب قبوله بتولي حقيبة البيئة، طالما أن ليس لديه أيّ خطة بحسب ما هو واضح، فالجميع بات يعلم أن المطلوب كان توزيره فقط بغضّ النظر عن الحكومة، بدليل تنقل اسمه من حقيبة إلى أخرى، في مرحلة التأليف، قبل أن يحط في وزارته اليوم، التي تمثل الشغل الشاغل لجميع اللبنانيين منذ سنوات، لا سيما منذ انفجار هذه الأزمة في العام 2015.
بالعودة إلى مطمر الكوستابرافا، أساس الأزمة يكمن بأن الإستمرار بالوتيرة نفسها يعني عدم استمراره أكثر من سنة أو سنة وشهرين، فهو يتحمل يومياً من 1700 إلى 1800 طن من النفايات، بينما لا يُفترض به أن يتحمل سوى 1000 طن على الأكثر. ويشير مسؤول الإعلام في بلدية الشويفات طارق أبو فخر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنه بعد رفع الصوت عالياً من قبل البلدية وإتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، لم يتم التواصل معهم من قبل أي جهة رسمية.
في المقابل، يؤكد رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام، لـ"النشرة"، حصول تواصل مع الإتحاد، لكنه يتحفظ عن الإجابة على السؤال عن نتيجة هذا الإتصال، لكن على ما يبدو ليس هناك من حلول طرحت، نظراً إلى أنه يشير إلى أن القرار لا يزال هو نفسه، بالنسبة إلى إقفال المطمر نهاية الشهر الحالي، وبالتالي لا جديد يذكر حتى الساعة.
الموقف نفسه يؤكده أبو فخر، الذي يلفت إلى أن البلدية لم تحصل، طوال الفترة الماضية، على أي من الحوافز التي كانت مقررة من قبل مجلس الوزراء إلا مرة واحدة فقط، وبالرغم من تأكيده أن الموقف الحالي غير مرتبط بمسألة الحوافز، يشير إلى أن الشويفات في الأصل كانت متضررة من مطمر الناعمة صحياً وبيئياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ويشدد على أن المسؤولية لا تتحملها الحكومة الحالية فقط بل أيضاً الحكومات السابقة، ويرجح أن يكون سبب عدم المبادرة إلى التواصل يعود إلى غياب الخطط البديلة.
في المحصلة، بعد 5 سنوات من الأزمة لا حلول تذكر. 4 وزراء تولوا حقيبة البيئة من دون أن ينجحوا في إيجاد المعجزة. 4 حكومات، من ضمنهم الحالية ولم توضع خطة على طاولة مجلس الوزراء لتقر وتنفذ. بالنسبة إلى المسؤولين في لبنان، على ما يبدو، العالم لم يتوصل بعد إلى أي أساليب حديثة لمعالجة النفايات، وبالتالي ربما نحتاج إلى 5 سنوات إضافية.