مجدداً توافق الحكومة على تعيين شركة عالمية للقيام بالتدقيق الجنائي لكشف المرتكبين والفاسدين. وكنت قد وجّهت أسئلة عدة لا تزال معلّقة من دون الاجابة عنها. وبالتالي نضع الاسئلة التالية في تصرّف الرأي العام، لكي لا يتحوّل التدقيق الجنائي وهماً جديداً يشبه وهم الشفافية الذي سبّبه قانون مشوّه اسمه «قانون الحق في الوصول الى المعلومات»:
- أجرت شركتان على مدى سنوات تدقيقاً في حسابات مصرف لبنان المركزي. والسؤال الواضح، ما كان نفع هذه التقارير، لماذا لم يتمّ نشرها؟ هل تمّت الاستفادة منها؟ ماذا تقاضت الشركات اتعاباً مقابل القيام بالتدقيق؟؟ علماً انّ الشركتين «ديلويت» و»ارنست اند يونغ» تُعتبران من الافضل عالمياً. ففي العام 2020 كان تصنيف «ديلويت» الاولى عالمياً بحسب العائدات وعدد الموظفين، اما «ارنست اند يونغ» فاحتلت المركز الثالث عالمياً. (big4accounting firms)
- الم تدرك الشركات التي كانت تدقّق في حسابات المصرف المركزي المخاطر التي تواجهه؟ وألم تحذّر من مغبة الانهيار؟ اليس دور شركات التدقيق تحذير العميل من مخاطر دفاتره وحساباته؟ واذا حذّرت، لماذا لم يكترث أحدهم بالتحذيرات، وهناك احتمال ان تكون الشركات قد حذّرت ولكنها لم تلق تجاوباً من المعنيين الذين ارادوا التغطية عن الفشل والانهيار؟
- لماذا نرفض التدقيق اللبناني في التقارير المالية الموجودة قبل الاستعانة بشركة ثالثة، علماً انّ شركة Alvarez &marsal بحسب التصنيفات تُعدّ الاربعين عالمياً بحسب حجم الاعمال؟ (www.consulting.com)، الا يستطيع اللبنانيون القيام بما ستقوم به هذه الشركة؟ فإتمام العقد وتصديقه واقراره والسير به سيأخذ وقتاً طويلا وسيكلّف الدولة اموالاً اضافية. اذا كانت التقارير المالية المدققة موجودة، تصبح المهمة سهلة. واذا كانت الحجة انّ هناك خوفاً من التسييس، فمن يضمن انّ الشركة العالمية لا تملك مصالح خاصة او أجندات تديرها قوى عظمى؟ مع العلم اننا نراهن على انّ كل من اراد من اجهزة المخابرات المختلفة الموجودة على أرضنا ان يعرف حقيقة التقارير، يستطيع ان يحصل عليها حين صدورها، ويبقى الشعب اللبناني الوحيد الذي لا علم له بأي معلومات.
- السؤال الأهم، لماذا إخفاء التقارير المالية المدققة عن الشعب اللبناني؟ تطالبون اللبنانيين بتحمّل الافلاس وتبشرونهم بواقع صعب وبخسارة حتمية ولكن تمنعون عنهم الحقيقة الكاملة، وما الذي سبّب افلاسهم. انّ هذه التقارير هي ملك للشعب اللبناني، واضعف الإيمان ان نعرف كيف وصلنا الى الافلاس.
- شركة Alvarez & Marsal. هي عمليّاً شركة استشارية عالميّة فعلاً، لكنّها متخصصة في تقديم خدمة الدراسات الهادفة إلى تحسين أداء الشركات وتطوير عملها، إضافة إلى «إدارة التحوّل»، أي تحويل النماذج الاستثماريّة غير المنتجة، أو التي تعاني من مشكلات في ربحيّتها، إلى شركات مربحة. وبالتالي التدقيق الجنائي ليس تخصص الشركة الاول.
في سياق آخر، لفتني مقال لصحيفة لبنانية تعليقاً على مقال «الفايننشال تايمز»، الذي كان تطرّق الى ممارسات حاكم مصرف لبنان، بعد ان اطّلعت «الفايننشال تايمز» على تقرير مالي مسرّب. والملفت انّ الصحيفة اللبنانية اتصلت بمصدر مصرفي، ابلغها انّ هذه الممارسات وان كانت غير مألوفة الّا انّها لا تُعتبر مخالفة للقانون. تصريح خطير لكنه مبني على مصدر لم تورد اسمه. تقليد معروف في الصحافة اللبنانية التي تروّج لأخبار خاطئة بالاعتماد على مصادر غير معروفة.
اما الأسوأ، هو حصول «الفايننشال تايمز» على تقرير لا يملكه الشعب اللبناني او الصحافة اللبنانية، وهذه نتيجة مباشرة لغياب الشفافية في البلد، ويُصبح الشعب اللبناني آخر من يعرف معلومات تمسّ حياته ومستقبله ولقمة عيشه.
المؤسف، انّ الشعب اللبناني يعرف من هم الناهبون الكبار، ولكن ليس لديه اي اثبات او براهين. وحين يتهمهم يستعملون القانون لمصلحتهم ويلجأون الى القضاء. ولم يُتخذ أي اجراء جدّي بعد في موضوع الحصانات وامكانية محاكمة الوزراء امام القضاء العادي.
ونكرّر المعزوفة مجدداً: «لا فائدة للتدقيق الجنائي وشركات جديدة، ولا إنقاذ في استدانة مبالغ جديدة، ما لم يتمّ إقرار وتنفيذ قانون جديد للشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. سيُعيد التاريخ نفسه، ستقوم الشركة بالتدقيق، ولكننا لن نعرف شيئاً ولن يُنشر شيء، سنستدين مجدداً، وسيتمّ هدر الاموال بطريقة غير مفهومة، ولن يعرف المواطن اللبناني كيف».
يقول اينشتاين: «الجنون هو أن تفعل الشيء نفسه مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً».