«ساعدونا كي نساعدكم.. وما حصل حتى اللحظة غير مشجع، ومساعدات سيدر تنتظر الإصلاحات الضرورية… ولا بديل عن برنامج صندوق النقد الدولي لخروج لبنان من الأزمة…”
هذه خلاصة ما أدلى به وزير الخارجية الفرنسي جان لو دريان قبل مغادرته لبنان… وهي خلاصة كافية لتبديد الرهانات لدى البعض على قروضٍ فرنسيةٍ للبنان تخرق الحصار الأميركي… أو غير مرهونة بنتائج المفاوضات مع صندوق النقد والاستجابة لشروطه… وهي شروط أميركية باتت معروفة للقاصي والداني.. لا يمكن أن يقبل بها لبنان لأنها تمسّ بالوضع الاجتماعي المتأزّم أصلاً، وتمعن في سياسات التخصيص لبيع ما تبقى من مؤسّسات وأملاك مربحة، لدى الدولة، للقطاع الخاص من جهة، وتفرض على لبنان التنازل عن جزءٍ من ثرواته النفطية والغازية، في مياهه الإقليمية الخالصة، لمصلحة كيان العدو الصهيوني من جهة ثانية..
ماذا يعني ذلك؟
أولاً، إنّ الرهان على موقفٍ فرنسي متمايز عن الموقف الأميركي إنما هو رهان خاسر.. لأن الهامش المتاح للسياسة الفرنسية في لبنان لا يتعدى السقف الذي ترسمه لها واشنطن .. وهذا الأمر تأكد أيضاً في موضوع الاتفاق النووي الإيراني حيث لم تتمكن فرنسا من التمرد على القرار الأميركي الذي يمنع أوروبا من تنفيذ التزاماتها تجاه إيران بموجب الاتفاق، بعد أن انسحبت منه واشنطن وانقلبت على توقيعها.. وما يسري على الموقف الفرنسي إزاء العجز عن تنفيذ الالتزامات التي نص عليها الاتفاق النووي، يسري أيضاً على الموقف لناحية عدم قدرة فرنسا على تنفيذ تعهّداتها في سيدر، بسبب الفيتو الأميركي.. وهذا يؤكد حقيقة أنّ السياسة الخارجية الفرنسية تابعة للسياسة الأميركية ولا تتمتع بأيّ استقلالية..
ثانياً، إنّ فرنسا لم ترسل وزير خارجيتها ليقدّم المساعدات للبنان، وإنما ليطلب من الحكومة اللبنانية بأن تستجيب لشروط صندوق النقد، حتى تقوم باريس وغيرها من عواصم الغرب بتقديم قروض للبنان، وليس مساعدات، أيّ أنّ المسؤول الفرنسي جاء كرسول أميركي لممارسة الضغط على لبنان من ناحية، ولخلق المزيد من الأوهام لدى البعض بأنّ الأمّ الحنون لن تترك لبنان يغرق في أزماته ويختنق.. وها هي تقدّم مساعداتٍ لمدارس كاثوليكية.. أيّ كمن يدسّ السمّ في العسل.. بهدف تغذية الانقسامات الطائفية في لبنان، وتشجيع موقف البطريرك الراعي في طرح الحياد في مواجهة المقاومة والتوجه شرقاً ليبقى لبنان أسير التبعية للغرب…
ثالثاً، إنّ الرسائل التي أبلغها الوزير الفرنسي للمسؤولين اللبنانيين، هي رسائل أميركية المحتوى، وإن لم يصرح لودريان بذلك، لكن اللبيب من الإشارة يفهم.. لهذا فإنّ هذه الرسائل يجب أن تؤكد المزيد من القناعة بأن لبنان لا مخرج أمامه لكسر الحصار ورفض الخنوع للشروط الأميركية، سوى السير، دون تردّد، أو تباطؤ نحو الإسراع بتوقيع اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع الدول التي أبدت الاستعداد لمساعدة لبنان فعلياً من دون شروط، وليس لابتزازه، كما يفعل الأميركي والفرنسي، عبر ربط تقديم قروض بالاستجابة لإملاءات.. وشتان بين الأمرين.. بين المساعدات غير المشروطة. والقروض المشروطة…
رابعاً، إنّ الحكومة التي نجحت أخيراً في وضع قرار المحاسبة الجنائية موضع التنفيذ، يجب أن تسرع في اتخاذ خطوات مقابلة على الصعيدين الاقتصادي المالي والخدماتي.. بأن تتخذ الخطوة العملية في الذهاب إلى العراق وإبرام اتفاق مقايضة المنتجات اللبنانية بمواد النفط ومشتقاته والفيول.. وذلك لإحداث انفراج اقتصادي، بتنشيط قطاعات الإنتاج، وتخفيف الطلب على الدولار لاستيراد هذه المواد الضرورية، ووضع حدّ لابتزاز التجار وعمليات تخزينهم للبنزين والمازوت بهدف التسبّب بأزمات للمواطنين توظف في إطار الضغط على الحكومة والتحريض ضدها.. وبعد ذلك الذهاب إلى دمشق وطهران وبكين..
إنّ كلّ تأخير في قبول العروض السخية، الصينية والعراقية والإيرانية، إنما يسهم في تفاقم الأزمة وخلق مناخات سلبية تستفيد منها القوى المعارضة التي تتربص بالحكومة لإسقاطها…