يأتي مشهد صلاة الجمعة الفائت في رائعة العمارة "آيا صوفيا" بعد تحويلها إلى مسجد، والذي وعد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعبه، بخطوة تسيء الى الأديان والتاريخ.
حاول الرجل تظهير المشهد بضجة إعلامية واسعة عبر مئات الكاميرات، لإظهار المصلّين بأعداد كبيرة من رجال ونساء. القضية برمّتها لا تُحصى ابداً بالمعنى والاعداد، والتي تختلف كلياً عن تجمعات ملايين المسلمين في الحرمين الشريفين .
حرص إردوغان على تلاوة القرآن شخصياً، كأنه يقول: أنا خليفة المسلمين وأمير المؤمنين. أقود الإسلام وأنتزع، ساعة أشاء، الرمزية من رموز الأماكن الدينية وأفرضها بالقوة أرضاً للخلافة. يسعى بفعلته هذه لبناء أحلام واستعظام نفسه. لم يتردّد عن ذكرها محمد علي شاهين، أحد زعماء الحزب الحاكم في تركيا، قائلاً: لو كلفت تركيا بالحج، لنظمته من دون أن يصاب احد بأذى.
نسي أمير المؤمنين، أو ربما تناسى، أنّ هذا الصرح التاريخي الذي يندّد بتحوله من مسجد إلي متحف زاعماً بأنه من ضمن أوقاف السلطان محمد الفاتح. مع العلم أنّ الصرح بُني عام ٥٣٧ ليكون أكبر كنيسة في الإمبراطورية البيزنطية، ثم حوّله العثمانيون إلي مسجد في العام ١٤٥٣ بعد غزوهم القسطنطنية.
القضية برمتها مثيرة للعجب والإستغراب. لماذا تحولت آيا صوفيا اليوم الى مسجد، في حلّة متطرفة؟ فهي كانت، منذ قرابة المائة عام، متحفاً ومعلماً سياحياً يرتاده البشر من مختلف البلدان بغض النظر عن دينهم وانتمائهم. لماذا التفرقة والشقاق بين الديانات وزيادة الشرخ بين الأجيال القادمة، بالقضاء على أحد أهم معالم الإرث الثقافي؟ ولماذا توسيع الفجوة أكثر وأكثر على حساب التقارب الإنساني عبر إطلاق رصاصة على حوار الأديان؟
آيا صوفيا ليست الساحة الليبية ولا الطريق نحو تحرير الأقصى. فهي تبعد عنها آلاف الكيلومترات. ولا هي مناورة سياسية تتحدي الغرب أو تبتّزه. ليست أيضاً مجرد كنيسة أو مسجد. إنها ملاذ للمصالحة والسلام والإلتقاء التاريخي والثقافي والديني والفني والإنساني وتحدٍّ للإفتراق. فهل من يتّعظ؟