تمضي المهلة بسرعة فائقة، وأزمة النفايات ستطل برأسها مجدداً، فمطمر "الكوستا برافا"، وريث مكب الناعمة، مهدد بالاقفال.
أتى قرار إنشاء المطمر المذكور وفقاً لشروط صحية وبيئية صارمة وبإشراف مراقبين كحلّ موقت لمشكلة تراكم النفايات في الشوارع والأزقة، إلا أنّ المشكلة تفاقمت وتحوّلت إلى كارثة فعلية مما استدعى تحركاً رافضاً من قِبل الجمعيات البيئية والمجتمع المدني والقوى الحزبية، داعين لإقفاله بشكل نهائي، في نهاية الشهر الحالي.
وبوقت انشغال اللبنانيين بأمورهم المعيشية والحياتية من تداعيات الازمات السياسية والاقتصادية وارتفاع اعداد الإصابات المتزايدة جراء جائحة كورونا، أطلّت مجدداً مشكلة مزمنة أضيفت الى المشاكل المتفاقمة وهي أزمة النفايات. تقاعُس وإهمال، استهتار في صحة الناس من دون خطّة جدية، ودون انشاء غرفة طوارئ استباقية تُعنى للمعالجة لتُنقذ ما تبقى من صحة المواطن. كل ذلك زاد من معاناة اللبناني الذي يُقاسي من تداعيات رواسب الإفلاس والإنهيار والغلاء الفاحش، بأوضاع مزرية على كافة الأصعدة، تارةً من انبعاث السموم السياسية البيئية، وتارة بالفساد الغذائي والصحي، ومن جهة أُخرى النفايات المتكدسة في المطامر، وخطورة ما يترتبّ عنها من عوائق بيئية وصحية وسياحية ستنفجر بوجه البنية الاساسية في الدولة المهترئة اصلاً، سلطة عاجزة في كل شيء، وراضخة الى كل شيء.
ما يجري دوماً هو انتظار ساعة الصفر، فتطل "الصرخة المدوية" التي لم تؤخذ على محمل الجدّ، ووضعت في خانة الاستهتار والانهيار البيئي الذي بات وشيكاً، على قاعدة ان ملف النفايات لدى المسؤولين ليس من الأولويات. هذا الانفجار تتحمله الإدارة السيئة لهذا القطاع امتدت منذ عقود، وتفاقمت منذ سنة 2015 لغاية اليوم.
لا يملك لبنان خطة لإدارة النفايات الصلبة للبلد بأكمله. في التسعينات، نظّمت الحكومة تجميع القمامة والتخلص منها في بيروت وجبل لبنان، بينما تركت باقي البلديات تتدبر أمورها بدون مراقبة أو دعم مادي أو خبرات تقنية. فكثرت المكبات المكشوفة وازداد الحرق في الهواء الطلق عبر البلاد. بحسب باحثين في "الجامعة الأميركية في بيروت"، فإن 77 % من النفايات إما تُرمى في مكبات مكشوفة أو تُطمَر، مع أنهم يقدّرون أن 10 إلى 12% فقط من نفايات لبنان لا يمكن إعادة تدويرها أو تحويلها إلى سماد عضوي.
رغم أنّه لا ثقة بهذه الحكومة، لكن إن كانت لديها الجرأة والإرادة فإنّ خيارات كثيرة ستكون أمامها، تبدأ بمحاسبة المقاولين والشركات المستفيدة من قطاع النفايات وتفرض عليهم معالجة مسألة نفاد القدرة الاستيعابية للمطامر لأنّها قامت بطمر كميات كبيرة دون فرز، ومن ثمّ التشديد على الفرز في المعامل والتسبيخ، واعتماد اللامركزية في معالجة النفايات، أي أن تنشأ معامل فرز جديدة في كل قضاء أو اتحاد بلديات للمعالجة.
مشكلة النفايات أزمة يصعب حلها في لبنان، وتتجدد باستمرار بسبب وجود سياسة تضارب المصالح، حيث أن بعض من مسؤولي الحكومة هم أصحاب شركات، أو على علاقة بأشخاص يعملون في مجال القمامة. لذا لا حلول للقضاء على الأزمة نهائياً، ان لم تأخد الحكومة الحالية قراراً حيادياً، كالعمل للحلول البيئية المستدامة، التي يمكن ان تنفذ في مهلة زمنية قصيرة، بكلفة منخفضة.
لا يمكننا ان نستمر بدوامة اقفال مطمر من هنا وفتح آخر من هناك، في عملية ابتزاز رخيصة، ومجرد ضغوط تمارسها السلطة، حتى يقبل الناس بأي حل شرط الاّ تبقى النفايات في الشارع، التي تهدد المواطن اللبناني اطفالاً وشيوخا. هذا المواطن، إن لم يمت من الكورونا، سيموت بسبب التلوث الناجم عن أزمة النفايات.