بعد مرور نحو أسبوع على الهجوم الإسرائيلي قرب مطار دمشق في سوريا، والذي أدّى إلى مصرع أحد مقاتلي "حزب الله"، وبعد "صمتٍ مُطلَق" تسلّح به "الحزب"، مكتفياً ببيان نعيٍ "يتيم" للعنصر الذي "ارتقى أثناء قيامه بواجبه الجهادي"، جاءت أحداث مزارع شبعا الملتبسة لتزيد "الغموض غموضاً".
وإذا كانت هذه الأحداث عكست في جانبٍ كبيرٍ منها، حالة "الاستنفار" و"حبس الأنفاس" المستمرّة على طول الحدود منذ أسبوع، وتحديداً من الجانب الإسرائيلي، بعد "انكفاء" قواته بانتظار ردّ "حزب الله" المُحتمَل، فإنّها عكست أيضاً حالة "الارتباك" و"الضياع"، والتي تجّلت بأبهى حللها من خلال "تناقض" روايات ما حدث.
وفي حين ترجم ذلك "تناقضاً" في القراءات أيضاً، بين من اعتبر الأحداث المفتعَلة بمثابة "مسرحية استباقية"، ومن قرأ فيها في المقابل محاولة لتسجيل "نقاط مجانية" على خط "الحرب النفسية" المستمرّة بين الجانبين، يبقى الثابت الوحيد أنّ ردّ "حزب الله" على اغتيال عنصره "حتميّ"، ولكن له شروطه ومقوّماته...
لا نقاش!
قد يكون من المفيد بدايةً، وقبل التوقف عند أحداث شبعا "الملتبسة"، وما أحاط بها من "روايات" متناقضة، العودة بـ "الأرشيف" قليلاً إلى الوراء، ومراجعة "سجّل" الأسبوع الماضي، الذي التزمت فيه قيادة "حزب الله" بالصمت المُطلَق، فيما كان الإسرائيليّون يحاولون التقليل من وقع الموقف، عبر "تسريباتٍ" إعلاميّة نفت "النيّة المضمرة" بالاغتيال المتعمَّد، بذريعة أنّهم لم يكونوا على علمٍ بوجود عنصر "حزب الله" أساساً في المكان المُستهدَف.
بيد أنّ صمت "الحزب" الذي لم تخرقه أيّ إطلالةٍ "استثنائية" لأمينه العام السيد حسن نصر الله، أو أيّ تصريحٍ مباشر لأيّ من قياديّيه، لم يكن سوى جزءٍ من "عدّة" المعركة، بحسب ما يقول بعض العارفين بأدبيّات "حزب الله" والقريبين منه، ممّن يجزمون بأنّه لا يعني أنّ هناك نقاشاً جدياً يدور داخل أروقة "الحزب" حول الذهاب إلى الردّ من عدمه، باعتبار أنّ مثل هذا الأمر من "المسلّمات" التي لم تعد تخضع لأيّ بحثٍ، بل باتت جزءاً لا يتجزّأ من "قواعد الاشتباك" المعمول بها بين الجانبيْن اللبنانيّ والإسرائيليّ.
أكثر من ذلك، يشير هؤلاء إلى أنّ تبعات عدم الردّ تتخطّى بأشواط تبعات أيّ ردّ، بمُعزَلٍ عن حجمه، وحتى عن تداعياته، سواء كانت "مدروسة" أو لم تَكُن، بل إنّ هناك من يعتقد أنّ "حزب الله" جاهزٌ لمواجهة حربٍ كاملةٍ، إذا قرّرت إسرائيل الذهاب إليها، لكن لا يمكن أن "يبلع" الامتناع عن الردّ، الذي لن يُفسَّر داخلياً وخارجياً، حتى من قبل "مستهجني" أيّ خطوةٍ قد يقوم بها "الحزب"، على أنّه ضعفٌ وجبنٌ وما إلى ذلك.
برأيهم، المعادلة باتت واضحة، وقد كرّسها الأمين العام للحزب في "المعادلة" الشهيرة التي أطلقها سابقاً، والتي تقوم على أنّ الحزب سيردّ على أيّ استهدافٍ لمقاتليه في لبنان أو في سوريا، وهي معادلة لا تزال قائمة بطبيعة الحال، ولم يطرأ عليها أيّ تغيير. أما النقاش، إن وُجِد، بحسب هذا "المنطق"، فلا يتعدّى "توقيت" هذا الردّ، وسط تجاذب في وجهات النظر على هذا المستوى، فضلاً عن "إطار" الردّ والغايات المتوخّاة منه على أكثر من مستوى.
ماذا حصل في شبعا؟
انطلاقاً ممّا سبق، ولأنّ جميع المراقبين، من المقرّبين من "حزب الله" والمُعادين له على حدّ سواء، يكادون يُجمِعون بأنّ الردّ على الغارة الإسرائيليّة على دمشق "حتميّ"، بمُعزَل عن اختلاف "السيناريوهات" المُحتمَلة، ساد الاعتقاد لدى كثيرين بأنّ ما حصل في شبعا في الساعات الماضية شكّل عنوان "الردّ"، قبل أن يدحض بيان "حزب الله" هذه الفرضيّة.
ولعلّ ما عزّز هذا "المنطق" تمثّل في "التكهّنات" التي استبقت أحداث شبعا، لجهة طبيعة ردّ "حزب الله" المتوقّع، فضلاً عن زمانه ومكانه، في وقتٍ يتحدّث المراقبون عن حساباتٍ ورهاناتٍ بالجملة لا بدّ أن تؤخذ بعين الاعتبار من جانب قيادة "حزب الله" في أيّ قرارٍ تتّخذه، وتتفاوت "تقديرات" هذه الحسابات، وفقاً للأهداف الحقيقية المرتجاة من أيّ هجومٍ يمكن أن يُقدِم عليه "الحزب" عملياً، علماً أنّ "الغموض البنّاء" الذي يحرص "الحزب" عليه في هذه المرحلة هو جزءٌ من "الردّ"، بعدما أصبحت "الحدود" شبه خالية من أيّ وجودٍ عسكريّ، ولذلك "رمزيّته" البالغة.
وإذا كان الهدف من الردّ لا يتخطّى، برأي البعض، مفهوم "رفع العتب"، وحتى لا يُقال إنّ "الحزب" سكت على اغتيال أحد مقاتليه في سوريا، ما يمكن أن يفتح الباب أمام اعتداءاتٍ شبيهة في المرحلة المقبلة، وما يتطلّب بالتالي رداً "مدروساً" يحفظ "التوازن" إلى حدٍ ما، فإنّه يختلف برأي شريحة أخرى، تعتبر أنّ الحسابات يفترض أن تكون هذه المرّة مختلفة، لأنّ أيّ ردّ "متواضع" لم يعد يفي بالغرض، خصوصاً أنّ الإسرائيلي بات في مكان ما "يراهن" على ذلك للتمادي في اعتداءاته، باعتبار أنّ الضرر لن يتعدّى "تأهّباً" يستغرق بضعة أيام، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، والمياه إلى مجاريها.
وإذا كان أصحاب هذا الرأي يخلصون إلى أنّ حسابات الحزب مرتبطة حصراً بـ "توافر" الهدف، مع الحفاظ على عنصر "المفاجأة"، التي قد تكون "المفتاح السحري" لضمان نجاح الردّ، أو العكس، فإنّهم يرون في ما حصل في شبعا "دليلاً" على صحّة وجهة نظرهم، لا العكس، بمعنى أنّه قد يكون مرتبطاً برغبة الإسرائيليّين "استباق" الأحداث، والتخفيف من "عناء" الحرب النفسية عليهم، ولو أنّ آخرين "يشكّكون" بهذه الرواية، انطلاقاً من أن "لا دخان بلا نار"، ولا يستبعدون وجود "خللٍ" ما عطّل الردّ، أو سمح للإسرائيليّين "منعه"، من "ثغرةٍ" ما.
إنّها "الحرب النفسيّة"!
بمُعزَل عمّا حدث في شبعا، والذي قد يحتاج إلى المزيد من التدقيق والتحليل في الأيام المقبلة، في محاولةٍ لكشف خباياه وخفاياه، فإنّ لا مبالغة في اعتبار ما حصل أصلاً جزءاً من "الحرب النفسية" بين "حزب الله" وإسرائيل، وقد وصلت إلى أوجها على أكثر من مستوى.
وإذا كان "حزب الله" بات "يتفنّن" في استخدام هذا النوع من "الحرب"، وهو الذي نجح في فرض "شللٍ" كامل على طول الجانب الإسرائيليّ من الحدود منذ أسبوع، فإنّ بيانه الذي "تنصّل" فيه من عملية شبعا، عزّز مقوّمات هذه الحرب، بـ "تعهّدٍ" صريح بأنّ الردّ آتٍ، لكن وفق توقيته هو.
وبين هذا وذاك، يبقى هامش "المناورة" واسعاً، تماماً كالخيارات، التي يؤكّد المعنيّون أنّها مفتوحة على مصراعيْها، ولو أنّ اللعبة لا تزال "مضبوطة" داخلياً ودولياً، باعتبار أنّ أحداً ليس بوارد الدخول في "حربٍ واسعة"، لا يمكن لأيّ من أطرافها "ضمان" مدّتها، ولا نتائجها التي قد تكون "كارثيّة"، سلفاً...