في تصرف أجرامي نادر الحصول دوليا قامت طائرات حربية أميركية F16 باعتراض طائرة نقل مدني تابعة لشركة ماهان الإيرانية اثناء رحلتها العادية بين طهران وبيروت عبر أجواء العراق وسورية ووفقا لخط جوي معتمد ومعلن ومعروف من كل الدوائر والأجهزة والجهات التي لها صلة شرعية او غير شرعية بهذا الأمر. وقد قامت الطائرات الحربية الأميركية بالاقتراب من الطائرة الإيرانية متجاوزة هامش الأمان الجوي ومنتجة ظروف إحداث خطا ملاحي يمكن ان يتسبب في تلك الحالات بسقوط الطائرة المدنية دون إطلاق نار عليها او اصطدامها باي جسم أخر في الجو. لكن براعة الطيار الإيراني ورباطة جأشه ومتانة أعصابه مكنته من تلافي الخطأ الملاحي الذي سعت الطائرة الأميركية اليه ومكنته مع الحد الأدنى من الخسائر من رسم مسار نجاة الطائرة وركابها رغم إصابة بعضهم بجروح طفيفة ألا راكبين كانت جراحهما اشد وابلغ من سواهم.
لقد ارتكبت أميركا في عملها هذا جريمة موصفة انتهكت بها قواعد و أحكام قوانين و معاهدات دولية تتعلق بحرية الملاحة الجوية و سلامة الطيران المدني و قواعد القانون الدولي العام و اتفاقيات جنيف ، تلك الإحكام و القواعد التي تمنع على أي دولة القيام بما يهدد مباشرة او غير مباشرة سلامة الطيران المدني و سلامة الطائرات في مساراتها على خطوط الطيران المعتمدة كما و الامتناع عن أي فعل او تحرش او سلوك يمكن ان ينتج عنه خطا ملاحيا او يضع الطيار في ظروف تدفعه إلى فقدان السيطرة على طائرته و يتسبب بضرر ما مهما كان طفيفا لاحد من الركاب و الطاقم ، كما تمنع مجرد المضايقات التي تتسبب بإهدار وقت الطائرة المستهدفة ، ما يعني ان السلوك الأميركي هو حتما و بدون نقاش جريمة موصوفة و عمل إرهابي ينتهك السلامة العامة من شانه ان يتسبب بكارثة جوية كان يحتمل ان تودي بالطائرة و بمن عليها لو لم يكن قائد الطائرة المستهدفة على هذا القدر من القوة المعنوية و الخبرة المهنية و الشجاعة الذاتية .
ان سلوكا بهذا القدر من الخطورة لا يمكن ان يكون تصرف اللحظة او عملا عابرا او ارتكب صدفة بل هو برأينا عمل مخطط مدروس يرمي إلى تحقيق أهداف سعى اليها من قرره وخططه، فما هي أهدافه؟ ثم كيف يكون الرد عليه؟
أولا: أهداف الجريمة الأميركية:
في البدء نتجاوز التبرير الأميركي الكاذب والذي يقول ان أميركا شاءت ان تستطلع هوية الطائرة ونوعها ومهمتها لان هذه التبريرات ما هي ألا ذرائع واهية كاذبة لا يمكن ان تنطلي على أحد او حتى ان يأخذ بها الرجل البسيط، فالوصول إلى ما تدعي أميركا سعيها لمعرفته هو سهل يسير لا يتطلب عملا خطيرا من قبيل ما حصل. أما حقيقة الأمور فأننا نرى ان أميركا أرادت من جريمتها تحقيق الأهداف التالية:
1) وقف خط الطيران المدني بين طهران وبيروت كما ومن طهران إلى دمشق، لأنها ترى في هذا الخط الجوي ثغرة كبيرة في جدار الحصار الذي تفرضه على مكونات محور المقاومة من إيران إلى سورية إلى حزب الله في لبنان، الحصار الذي تريد ان تخنق به هذه المكونات والتي اشتدت التدابير الأميركية الكيدية ضدها مؤخرا بقانون قيصر المتخذ ضد سورية والذي يؤثر سلبا على لبنان وإيران قطعا وبالمقدار نفسه تقريبا. وترى أميركا ا ن وقف الخط جوا يتكامل مع قطع الطريق البري الذي تنفذه قاعدة التنف الأميركية القائمة بشكل عدواني على ارض سورية.
2) التأكيد على استمرار التصعيد في "سياسة الضغوط القصوى " التي تمارسها أميركا ضد إيران ومحور المقاومة حيث يشكل اعتراض الطائرة المدنية الإيرانية خطوة تصعيدية جديدة في تلك السياسة الكيدية التي اعتمدتها أميركا ضد محور المقاومة بجميع مكوناته ويوجه رسالة حادة لهذه المكونات بان أميركا ماضية قدما في المواجهة عملا باستراتيجية "القوة الخفية الذكية المركبة". وهنا نلفت إلى التقلب الأولي في الإعلان عن فاعل الجريمة حيث ان أميركا أرادت ان تلصق الفعل الإجرامي أولا بإسرائيل وعممت في الساعات الأولى بان طائرات إسرائيلية هي التي ارتكبت الجريمة ثم كان تراجع عن ذلك لاعتبارات تتعلق بواقع إسرائيل في هذه الفترة إثر جريمتها بقتل مقاوم من حزب الله على الأرض السورية وانتظارها للرد.
3) استدراج إيران إلى ارتكاب جريمة جوية مماثلة. قد يكون دار في الذهن الأميركي أقدام إيران على رد انفعالي أجرامي يتماثل مع جريمة أميركا والتسبب بأسقاط طائرة مدنية أميركية ما يفتح المجال واسعا أمام أميركا لملاحقة إيران بشتى الوسائل القضائية والسياسية والأمنية والعسكرية ويمنح أميركا الذرائع والفرصة لفعل ما تشاء ضد إيران بما يذكر بواقعة طائرة لوكربي وما تحملته لبيبا ومعمر القذافي من مسؤولية وتكبدت من خسائر بسببها.
4) أما عن القول بان أميركا ارتكبت هذه الجريمة لتكون شرارة اندلاع حرب في المنطقة ، خاصة و ان هناك اكثر من تصرف او سلوك أميركي سبق هذه الجريمة او لحقها يعزز هذا الظن ،من قبيل زيارة رئيس الأركان العسكرية الأميركية المشتركة مارك ميلي إلى إسرائيل و تفقده بشكل خاص قواعد منظمة الدفاع الجوي المتطورة ، او حركة القطع البحرية الأميركية ال 11 بما فيها القطعة النووية إلى شرق المتوسط ، او تكثيف الاعتداءات الإسرائيلية على سورية و قيام إسرائيل بتعزيز منظومتها الدفاعية في الجبهة الشمالية ب 3 الويه من المشاة و الوحدات الخاصة فضلا عن المدرعات ... الخ من أعمال من التصنيف ذاته ، ان كل ذلك لا يجعلنا نفسر العدوان بانه استدراج لحرب و فتح لجبهات القتال في منطقة الشرق الأوسط لأننا نعتقد بان أي من الطرفين الأميركي و الإسرائيلي غير جاهز موضوعيا و ذاتيا لتك الحرب في الظروف القائمة خاصة و ان الأرجح لديه ان حربا تقع الأن مع محور المقاومة لن تكون في مصلحته ، و بالمقابل نجد ان محور المقاوم لديه الأن أولويات عسكرية و غير عسكرية اهم و اجدى من الذهاب إلى حرب لم يحن أوانها بالنسبة اليه .
ثانيا: الرد على الجريمة الأميركية:
إذا كانت الحرب مستبعدة، والرد بالمثل مرفوض لأكثر من اعتبار فكيف يكون الرد إذن على الجريمة الأميركية؟ ان الرد المناسب برأينا يجب ان يكون وفقا لقواعد القانون والأخلاق فضلا عن المصلحة ويتمثل بما يلي:
أ) التمسك بالخط الجوي بين طهران ومشق وبيروت وتعزيزه وعدم الوقوع في الفخ الأميركي بإقفاله او تقييد استعماله لان في ذلك انتصار أميركي استراتيجي تحصل عليه أميركا بكلفة بسيطة.
ب) ملاحقة أميركا أمام الأروقة السياسية والقضائية والقانونية الدولية بما في ذلك الأمم المتحدة بكل هيئاتها والأجهزة المنبثقة عنها كما ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية نقول هذا رغم علمنا بالصعوبات القانونية والموضوعية التي تعقد الملاحقة خاصة وان أميركا غير موقعة على معظم بروتكولات تلك الأجهزة والمحاكم خاصة المحكمة الجنائية الدولية.
ت) القيام بأوسع تحشيد أعلامي وسياسي ضد العدوان الأميركي وممارسة اقصى الضغوط الدولية لمنع تكراره.
ث) ومن نافل القول ان نذكر بوجوب تجنب المعاملة بالمثل أولا لان أخلاقيات إيران ومبادئها وعقيدتها لا تسمح لها بارتكاب جريمة مثل هذه الجرائم السافلة وإهدار أرواح الأبرياء، ثانيا ان مصلحة إيران وموقعها وعلاقاتها الدولية تقيدها بقواعد القانون الدولي وتمنعها من فعل ذلك.