فجأة، وعلى غرار السيناريوهات العديدة المتعلقة بالاحداث العسكرية والامنية على الحدود الجنوبية للبنان، "اشتعلت" المنطقة القريبة من الحدود على وقع انباء تم تناقلها عن ان حزب الله قرر الرد على مقتل احد عناصره في سوريا. روايتان تحكمتا بالمشهد يوم امس: الاول نسخة اسرائيلية اكّدت احباط عمليّة للحزب تهدف للتسلّل الى الاراضي التي تسيطر عليها اسرائيل، ونسخة للحزب تفيد بأن كل ما تم ذكره كان من نسج الخيال، لا غير.
ازاء هذا الوضع، تحرّكت الاتصالات الدبلوماسية والسياسية واعلنت قوات الامم المتحدة "اليونيفيل" عن البدء بتحقيقات مستقلّة لاكتشاف خلفيّة هذه الاحداث. في غضون ذلك، كانت الآراء قد بدأت تنضج ان في لبنان او في اسرائيل، والقاسم المشترك بينها كان حصول انقسام كبير في كل من الشارعين. على الضفة الاسرائيلية، شكّك الكثيرون في الرواية الاسرائيلية، واعتبروا ان ما قيل يأتي في سياق رفع شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في عزّ ازمة قضائيّة وشعبيّة وسيّاسية يعاني منها، ودائماً ما يكون الحلّ العسكري مخرجه الوحيد. واعتبر هؤلاء انه في وقت لا يسمح باطلاق شرارة عمليّة عسكريّة شاملة ان في الاراضي الفلسطينية او في لبنان، فإن البديل هو ابقاء الاسرائيليين في مرحلة الخوف واظهار نتانياهو كالدرع الوحيد القادر على حمايتهم. في المقابل، ظهرت آراء لاسرائيليين تؤيّد رواية ما حصل، وتعتبر ان الحزب قادر على القيام بمثل هذه الاعمال، وانه ربما كان يقوم بـ"بروفة" عمليّة لاختراق الحدود والتسلّل الى خارجها عند اندلاع ايّ مواجهة جديدة، لينقل المعركة من الاراضي اللبنانية الى المستعمرات الاسرائيليّة والى الداخل الاسرائيلي. ويعتمد اصحاب هذا الرأي على ما اعلنه الجيش الاسرائيلي من امتلاكه شريط فيديو يوثّق ما حصل، وهو كفثيل بتبيان الحقيقة كاملة واثبات ما قام به الحزب.
هذا في الجهة الاسرائيلية، اما في الجهة اللبنانية فكان من الطبيعي ان تصدر مواقف مهلّلة لخبر قيام الحزب بعملية ضد اسرائيل، مع كل ما يعنيه ذلك من معنويات لمؤيديه ومناصريه، كدليل على صدقية الكلام عن حصول رد على استهداف فرد من افراده. ولكن اصحاب هذا الرأي سرعان ما اصيبوا بالحيرة حين اصدر الحزب بياناً نفى ضلوعه بأيّ عملية على الحدود، فالتزموا الصمت مجدداً، واخفوا بالتالي خيبة راودتهم بعد ان كانوا مغمورين بنشوة الرد.
في المقابل، كان قسم آخر من اللبنانيين ينادي بوجوب عدم استقدام "مصيبة" جديدة، اذ ان المصائب الكثيرة التي تواجه اللبناني باتت لا تعد ولا تحصى، ولا يجب زيادة اي مشكلة اخرى عليها. واعتبر هؤلاء ان اي عملية او خطوة عسكرية يقوم بها الحزب، انما هي استهداف مباشر لفكرة الحياد الايجابي التي تتبلور وتأخذ طريقها الى الانتشار شيئاً فشيئاً، في حين ان انظار العالم اجمع مسلطة على لبنان الذي يتعرض لضغوطات قاسية لثني حزب الله عن القيام بأي نشاط عسكري او امني.
وبين هذا وذاك، لا شك ان الاوضاع لا تزال غير متوتّرة، ولكن، ما هو مؤكّد ان الطرفين استفادا مما حصل، فعاد النشاط الى صفوف نتانياهو ومعسكره وانتشله من احباط قاسٍ، واعاد تسليط الاضواء على حزب الله و"خطورته" على المنطقة، فيما استفاد الحزب ايضاً ليعكس مدى "خوف" الاسرائيليين من ردّه وبعث برسالة جديدة مفادها انه بات لاعباً اساسياً في المنطقة يفرض من الجميع انتظار مواقفه وتحركاته، ومن غير الممكن اقصاؤه عن الصورة العامة، اكان بعقوبات اقتصادية ام بعمليات امنية وعسكرية.
هذا باختصار ما حملته الاحداث التي شهدتها الحدود امس، وتبقى العبرة في معرفة الردّ الذي سيقوم به الحزب مع رهان الكثيرين على انه سيبقى "مضبوط" السقف كالمرات السابقة.