يتواصل العدّ العكسي للإجتماع الدَولي الذي سيتطرّق إلى موضوع التجديد لقوّات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب اللبناني، والذي يُفترض أن يتمّ في نهاية شهر آب. وكلّ المَعلومات المُتوفّرة حتى الساعة تُشير إلى أنّ هذا التجديد لن يكون تلقائيًّا كما كان يحصل في السابق. فهل سيُواجه لبنان مُشكلة أمنيّة في الجنوب، تُضاف إلى مشاكله السياسيّة والإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة، إلخ؟!.
يبدو أنّ الولايات المُتحدة الأميركيّة لن تُصوّت هذه المرّة على عمليّة التجديد للقوّات الدَوليّة بشكل تلقائي، بل ستضع ثقلها الدبلوماسي لدى الأمم المُتحدة لمُحاولة إدخال سلسلة من التعديلات. وفي هذا السياق، ترغب الإدارة الأميركيّة بتعديل مهمّات قوّات "اليونيفيل" لجهة التمتّع بالقُدرة على تفتيش أيّ مكان أو موقع أو منزل تشتبه بوجود أنشطة أمنيّة فيه، أو بإستخدامه لتخزين الأسلحة والصواريخ، إلخ. وتضغط واشنطن أيضًا لخفض عديد قوّات "القبعات الزرق" لأنّها تعتبر أن لا داعي لكل هذا العدد، طالما أنّ المهمّات مَحصورة بمُراقبة "الخط الأزرق". كما تُلوّح الإدارة الأميركيّة التي تُعتبر أحد أبرز المُساهمين في تمويل القوّات الدَوليّة في الجنوب، بوقف هذا التمويل، في حال عدم الإستجابة لمطالبها، الأمر الذي سيتسبّب بمُشكلة لوجستيّة كبرى في حال حُصوله.
وفي مُقابل الموقف الأميركي المُتشدّد، يرفض "حزب الله" كلّيًا أيّ تعديل في المَهمّات الروتينيّة المَنوطة بقوّات "اليونيفيل"، بحجّة أنّ للمنازل المَدنية حرمتها، وللأحياء الشعبيّة في البلدات الجنوبيّة عاداتها وتقاليدها ولا يجب تعكير إستقرارها. كما يرفض "الحزب" الحديث الإسرائيلي–الأميركي عن خُروقات للقرار 1701، ويُشدّد على أنّ الخُروقات تأتي من جانب الطيران الإسرائيلي، وكذلك من جانب البحريّة الإسرائيليّة والقوّات البريّة الإسرائيليّة في بعض الأحيان، من دون أيّ إعتراض أو تدخّل من جانب القوّات الدَوليّة التي تقف عاجزة أمام هذه الإعتداءات الإسرائيليّة. والموقف اللبناني خلال عمليّة التصويت على التجديد للقوّات الدَوليّة، سيتبنّى طبعًا هذا المَنطق، وسيُطالب بإبقاء عديد ومهمّات قوات "اليونيفيل" كما هي من دون أيّ تغيير، حفاظًا على الإستقرار المَقبول المُؤمّن منذ العام 2006 حتى اليوم.
ويُمكن القول إنّ الموقف الأوروبي سيُشكّل "بيضة القُبّان" في مجلس الأمن، باعتبار أنّ الدول الأوروبيّة التي لا تُمانع من حيث المَبدأ تعديل مهمّات القوّات الدَوليّة، في حال وُجود توافق على هذا الأمر بين مُختلف الأفرقاء المَعنيّين، ستُعارض هذه الخُطوة في حال كانت موضع خلاف، وذلك بسبب خشيتها على أمن الوحدات العسكريّة الأوروبيّة المُنتشرة في الجنوب، حيث لا تريد الدول الأوروبيّة إطلاقًا تعريض هذه الوحدات لأيّ مخاطر هي في غنى عنها.
إشارة إلى أنّ الفترة الفاصلة عن موعد التجديد للقوّات الدَوليّة قد تحمل تطوّرات عدّة تُبدّل في هذا المنحى أو ذاك. وفي هذا السياق، في حال نفّذ "حزب الله" تهديداته وقام بالردّ من لبنان أو في مزارع شبعا، على إستهداف الطيران الإسرائيلي أحد المواقع العسكريّة قرب مطار دمشق أخيرًا، فإنّ الجيش الإسرائيلي قد يستغلّ المُواجهة ويُوسّعها لكن ضُمن سقف مضبوط، وذلك بهدف توظيفها لاحقًا في عمليّة شدّ الحبال القائمة على المُستوى السياسي والدبلوماسي. فإسرائيل تواصل منذ مدّة حملة سياسيّة–إعلاميّة على مُستوى دَولي، تتهم "حزب الله" بالتحرّك عسكريًا على الحدود بشكل يُهدّد الإستقرار الإقليمي، وبنشر مخازن الأسلحة وقواعد إطلاق الصواريخ بين المناطق المأهولة بين نهر الليطاني والحدود الجنوبيّة للبنان، ما يعني عمليًا خرق القرار 1701. ومع تصاعد الضُغوط الأميركيّة على "الحزب"، قد تعتقد إسرائيل أنّ الفرصة مؤاتية لتبديل قواعد اللعبة في الجنوب، خاصة وأنّ لبنان غارق في مشاكله الداخليّة الكُبرى، من دون أن ننسى مدى التأثير المَعنوي السلبي لقرار المحكمة الدَوليّة المُرتقب صُدوره في السابع من آب في جريمة إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والذي يُوجّه اصابع الإتهام إلى كوادر وعناصر من "الحزب".
في الخُلاصة، لا تغيير مُرتقب في قواعد الإشتباك بين الجيش الإسرائيلي ومُقاتلي "حزب الله"، ولابوادر لأيّ حرب أو حتى لأيّ مُواجهة كبرى بين الطرفين، لكن من غير المُستبعد على الإطلاق حُصول مُناوشات أمنيّة في الجنوب خلال الأيّام القليلة المُقبلة، عند تنفيذ "حزب الله" ردّه. وهذه المُناوشات مَعطوفة على الضُغوط الأميركيّة لتعديل مهمّات القوّات الدَوليّة العاملة في الجنوب، قد تتسبّب بمزيد من المشاكل للبنان، وستكون بمثابة قُطوع جديد، على اللبنانيّين عُبوره مُرغمينومن غير أن يكون لهم أيّ رأي في كل ما يحصل!.