تحاصر جائحة "كورونا" أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، تضاعف معاناتهم المزمنة الصحية والاجتماعية والمعيشية، كما حال اللبنانيين في مختلف مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم، فتجعلهم يئنون تحت "الفقر المدقع" نتيجة الانهيار الاقتصادي والمالي وارتفاع الدولار والاسعار، فيما وكالة "الاونروا" تحاول فرض سياسة الامر الواقع على قاعدة "العين بصيرة واليد قصيرة"، تحت ذريعة العجز المالي المتفاقم في موازنتها بعيدا عن دعوات الفلسطينيين في توفير الحماية الصحية والاجتماعية لهم.
وأكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، انّ "اللجان الشعبية" رصدت تسجيل اصابات في مخيمات لبنان، بدءا من الجنوب مرورا بالعاصمة بيروت، وصولا الى الشمال، حيث سجلت حالات عدّة في مخيمات: الرشيدية والبص (حالة)،البرج الشمالي (حالة)، مار الياس (حالة)وبرج البراجنة ونهر البارد الذي يتنظر اجراء فحصوات الـPCR اليوم لتحديد العدد النهائي، وقبلها في مخيم "الجليل" بقاعا، ما يدق ناقوس الخطر من التفشّي نتيجة ضيق المساحات، وتلاصق المنازل والاكتظاظ.
ويقول أمين سر "اللجان الشعبية الفلسطينية" في لبنان ابو أياد شعلان لـ"النشرة"، لقد رصدنا فيالمخيمات الفلسطينية نحو 60 حالة اصابة بالفيروس حتى الان، موزعة على مختلف مناطق تواجدها من الجنوب الى الشمال، اي انها اصبحت في عمق المخيمات بعدما كانت تقف على أبوابها، ما يشير الى خطورة الوضع وضرورة رفع حالة الاستنفار الصحّي والوعي واتخاذ اجراءات الوقاية، لان الوضع لا يبشر بالخير".
ويؤكد "اننا نحاول بذل قصارى جهدنا لاستيعاب هذه الموجة من الجائحة، وفي حثّ ابناء المخيمات على الالتزام بالاجراءات الوقائية بمختلف طرقها، ومنها ارتداء "الكمامات" والتباعد الاجتماعي التعقيم والنظافة، على اعتبارها خط الدفاع الاول للتصدي لهذا "العدو الخفي"، ولكن للاسف لا تتجاوز نسبة الالتزام 20% داخل المخيمات، ما قد يشكل كارثة صحية حقيقيّة في المرحلة المقبلة وقريبا، اذا استمر الحال على هذا المنوال.
واوضح شعلان، ان "اللجان الشعبية" مستنفرة في المخيمات وهي على تنسيق دائم مع "خلية الازمة" الصحية برئاسة رئيس قسم الصحة في وكالة "الاونروا" الدكتور عبد الحكيم شناعة، ومع الهلال الاحمر الفلسطيني و"الاونروا"، وبالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية وفرق الصليب الاحمر اللبناني للتعامل مع اي حالة اصابة او اشتباه"، خاتما "نستشعر بالخطر الداهم ونحذر من كارثة صحية قريبا".
استنفار وتجهيز
ومنذ بداية أزمة انتشار الوباء في لبنان في شهر شباط الماضي، اعلنت القوى الفلسطينية الاستنفار الصحي، وعقد في سفارة دولة فلسطين في بيروت باشراف السفير اشرف دبور، سلسلة اجتماعات خلصت الى تشكيل "خلية الأزمة الصحية" لمتابعة تطورات الجائحة،بالتنسيق مع المؤسسات الصحية الفلسطينية في المخيمات، فجرى إنشاء مركز عزل صحي في "سبلين" بدعم من منظمة "اطباء بلا حدود"، مركز عزل في "مدرسة السموعة" في عين الحلوة، وآخر في مستشفى الرئيس الراحل ياسر عرفات في مخيم البص، توازيا خطى مستشفى "الهمشري" في صيدا التابع لـ"جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني" خطوات الى الامام، حيث جرى تجهيزه بجهاز لاجراء فحوصات الـPCR،ما ساعد في تخفيف الأعباء على وزارة الصحة اللبنانية، اذ يقوم باجراء الفحص والتأكد من النتيجة قبل ارسال المريض الى مستشفى بيروت الحكومي الجامعي، فيما العمل ما زال جاريا على تخصيص الطابق الخامس لاستقبال الحالات المصابة بعد فصل المدخل وتزويده بمصعد خاص، وانشاء غرفتين للعزل عند مدخل "الطوارىء" لفحص الحالات المشتبه بها حماية للطاقم الطبي والتمريضي والمرضى في المستشفى.
ويؤكد مدير المستشفى الدكتور رياض أبو العينين،"لقد توقعنا الأسوا منذ البداية... لذلك كان القرار الصائب بأن نكون جاهزين لاي طارىء"، موضحا أن "مستشفى "الهمشري" هو الوحيد الذي أخذ القرار بتجهيزه لاستقبال حالات "الكورونا" في حال تأزم الوضع أكثر، والعمل جار من قبل الهلال وبتغطية كاملة من سفارة دولة فلسطين في لبنان وبإيعاز من الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" ومواكبةمن السفير دبور، إذ نعمل على تحضير طابق كامل من المبنى يتسع لـ24 مريضا" ويضم غرفة عناية فائقة تتسع لـ6 مرضى".
ويوضح الدكتور ابو العينين،ان "الامر لم يقتصر على الاستقبال، اذ تدخلنا مرارا كهلال أحمر فلسطيني وبالتعاون مع "الأونروا" في اجراء فحوصات في عدد من المخيمات وكانت النتائج تصدر في ذات اليوملاتخاذ القرارات السريعة المناسبة اذا كانت ايجابية"، مشددا على أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الصحية الفلسطينية في المخيمات، لا سيما "الهلال الأحمر" الذي يتولى ايضا حملات التوعية وتوزيع مواد التعقيم واجراء الدورات للفرق التطوعية لا سيما "فريق المستجيب الأول" الذي يبلغ عن أي حالة مصابة بين الأهالي في المخيمات.
ازمة معيشية
وضاعفت جائحة "كورونا" معاناة أبناء المخيمات الذين يعيشون الفقر الدقع بشكل لافت وسريع، اذ عاشت المخيّمات في أقل من عام واحدكجموعة أزماتخانقة ومتتالية، أرخت بتداعياتها السلبية على أبنائها.
ويؤكد مدير منظمة "ثابت لحق العودة" سامي حمود، ان "الاخطر في ظل هذه الازمات ما تقوم به وكالة "الاونروا" من محاولة فرض سياسة الامر الواقع تحت حجة العجز المالي"، معتبرا ان "حجم الحراك الذي تقوم به إدارة "الأونروا" تجاه إيجاد حلول للأزمة المالية يُعد خجولاً مقارنةً بحراكها المحلي في المخيمات والتجمعات الفلسطينيّة في لبنان، لتبرير إجراءاتها التقليصيّة وفرض سياسة الأمر الواقع على اللاجئين الفلسطينيين. والخطير في الأمر أن الأونروا تحاول خداع البعض بهذه "الشفافيّة" في طرح القضايا ومناقشتها أمام المجتمع المحلي الفلسطيني، كسباً لموقف مؤيد أو السكوت عن أي قرار فيه تقليص للخدمات.