حين غزا وباء كورونا لبنان، كما غيره من دول العالم، لم يستأذن افساد قطاع بحد ذاته، بل استباح كل القطاعات والاقسام وعوامل حياة الانسان. ولا شك ان القطاع التربوي كان احد الضحايا البارزين لهذا الوباء، ولم ينجح احد بعد من مسؤولي هذا القطاع المهم في التعامل مع التداعيات التي فرضها الوباء بنجاح. صحيح ان المحاولات لم تنقطع، وكان نجمها "التعليم عن بعد" الذي لاقى تأييداً وانتقاداً في الوقت عينه، مع تعداد ايجابياته وسلبياته.
وها نحن قد وصلنا على ابواب العام الدراسي الجديد، وتمر الايام بسرعة لحظات لتعلن انتهاء فصل وبداية فصل آخر، حيث من المفترض ان يعاود الطلاب نشاطهم الدراسي في شهر ايلول المقبل، ولكن ضياع المسؤولين في لبنان لا يبشّر بالخير، وقد ظهر علناً الاختلاف الكبير في الرأي بين وزير التربية طارق المجذوب ورئيسة المركز التربوي ندى عويجان، حيث اكّد الاول بداية العام الدراسي الجديد بين ايلول وتشرين الاول المقبلين، فيما اعربت الثانية عن عدم الجهوزية للبدء في شهر ايلول كما يُفترض. من المؤكد ان كلاً منهما يملك المعطيات الكافية التي تخوّله اطلاق مثل هذه المواقف، ولكن الاتفاق بينهما واجب لان المسألة ليست "مزحة" ومصير آلاف الطلاب واهاليهم على المحك. ليس من السهل ان تعاود المدارس والجامعات استقبال الطلاب، خصوصاً واننا في خضم ازمة اقتصادية خانقة لا مثيل لها في اي دولة اخرى-رغم معاناة الدول كافة من تراجع اقتصادي كبير- وفي ظل معركة شرسة مع الوباء العالمي ينجح فيها من الانتقام لخسارته المريرة في المواجهة الاولى، اذ ترتفع ارقام المصابين بصورة صاروخيّة وعدد الوفيات بصورة بطيئة (والحمد لله) لكنها تبقى غير مطمئنة.
ويمكن القول ان المساعدة الفرنسية للمدارس التي حملها معه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريانخلال زيارته الاخيرة الى لبنان، كان لها الاثر البارز في استجماع الهمم لمعاودة العام الدراسي، انما تبقى الاوضاع اكثر حرجاً من اللازم في ظل تهافت غير مسبوق على المدارس الرسميّة من جهة، والارتفاع الجنوني في اسعار القرطاسية والكتب واللوازم المدرسية من جهة ثانية. وازاء هذا الواقع المأزوم، قد يكون من المفيد الاعتراف بوجوب متابعة وملاحظة التدابيرالتي تتخذها الدول الاكثر تطوراً من لبنان في هذا المجال، للاستفادة من نقاط قوتها كما للتعلّم من نقاط ضعفها ومحاولة تغطيتها بالتدابير المناسبة. وليس من المفروض الحكم على الامور دون الاطّلاع عليها ومناقشتها وتحليلها، وهذا ما يفرضه المنطق بطبيعة الحال، انما حديث وزير التربية عن وجود خطّة للعودة الآمنة الى المدارس باتت جاهزة وسيتم اطلاقها الاسبوع المقبل، فيه الكثير من الغموض والتأخير في الطرح. ويتم تصوير الامر على انه "مفروض"، ولو انه من صلاحية الوزارة، غير انه من حق الطلاب والاهالي والمجتمع بأسره الاطّلاع على الخطّة قبل فترة من تطبيقها وليس قبيل او عشيّة تطبيقها، لان الظروف استثنائيّة، وحتى لوكانت "خطّة مثاليّة"، فإنها تحتاج الى تأقلم الجميع معها لنجاحها، والا تعرضت للفشل في اكثر من محطة. ليس الهدف الحكم على النوايا، او اعلان فشل خطة قبل طرحها، ففي الامر ظلم وتجنّ، غير انه من الافضل والانسب الاسراع في عرضها اذا كانت جاهزة بالفعل، وترك الوقت الكافي للجميع للتأقلم معها علّها تنجح وتعطي بصيص امل يحتاجه اللبنانيون في هذه الايام القاتمة.
لن يكون من المفاجئ تعرّض اي خطة ستطرح لانتقادات وهجمات، ولكن اذا كانت تملك مقوّمات النجاح فهي ستستمر ولن تقف عند عقبات بسيطة، وستحمل معها اسباب تلاشي الضياع السائد لدى المسؤولين اولاً والطلاب واهاليهم ثانياً.