خلال الأيّام القليلة الماضية أخذ تطوّر وباء كورونا في لبنان مُنعطفًا خطيرًا، تمثّل بتحطيم الأرقام القياسيّة لعدد المُصابين بشكل شبه يوميّ، في ظلّ تزايد مَلحوظ في عدد الوفيّات. وعلى الرغم من مُرور أكثر من سبعة أشهر على ظُهور الوباء وإنتشاره في العالم، لا يزال جزءا كبيرا من الرأي العام جاهلاً لمخاطره، ولكيفيّة تخفيف إحتمالات إنتقال العَدوى، وحتى جاهلاً لحقيقته إلى درجة عدم الإعترافبوُجود الوباء من أساسه! فما هي الحقائق التي تكوّنت عن الوباء حتى تاريخه، وماذا سيحصل في حال إستمرّت وتيرة الإصاباتمُرتفعة في لبنان؟.
أوّلاً: بعكس ما يظنّ الكثير من الناس، وبعض الإعلاميّين الذين يُقدّمون التقارير عن كورونا، إنّ 80 % من إجمالي عدد المُصابين في العالم، يُصنّفون من دون عوارض على الإطلاق أي Asymptomatic أو يتعرّضون لعوارض خفيفة جدًا تكاد لا تكون ملحوظة. وبالتالي، إنّ وُجود العديد من الأشخاص الذين يحملون الفيروس من دون عوارض، ليس ظاهرة غريبة، بل هو حقيقة طبيعيّة مُثبتة علميًا، تُشكّل إحدى المخاطرالكُبرى. وهذه الفئة من حاملي الوباء هي الأخطر على الإطلاق، لأنّها تُتابع حياتها بشكل طبيعيّ، وتتسبّب في كثير من الأحيان بنقل العدوى بشكل واسع.
ثانيًا: بحسب الإحصاءات الطبّية العالميّة، إنّ 15 % من إجمالي المُصابين بوباء كورونا في العالم يُصابون بعوارض خطيرة تستوجب مُساعدتهم على التنفّس عبر آلات الأوكسجين، و5 % من إجمالي المُصابين يدخلون في وضع صحّي دقيق تُصبح معه حياتهم على المحكّ. وعلى الرغم من أنّ الأشخاص الكبار في السنّ، والأشخاص الذين يُعانون من مشاكل صحّية على مُستوى الرئة أو القلب على سبيل المثال لا الحصر، أو من أمراض مُستعصية تُضعف المَناعة مثل السرطان أو غيره، هم أقلّ قُدرة على مُقاومة الوباء في حال أصيبوا به، فإنّ إجمالي الوفيّات في العالم تتضمّنمُصابين كانوا لا يُعانون من أيّ مشاكل صحّية ظاهرة، مع تسجيل وفاة شُبّان وحتى أولاد صغار في بعض الحالات. وبالتالي، لا أحد أقوى من الوباء، وليس من الحُكمة الإستخفاف بعوارضه، وترك الأمر لمدى قُدرة كل جسم على مُقاومته، لأنّه عندها قد لا ينفع الندم.
ثالثًا: مع تجاوز إجمالي المُصابين في العالم-الذين جرى إحصاء عددهم عبر إختبارات PCR، سقف 18 مليون شخص، وتجاوز عدد الوفيّات سقف 700 ألف شخص، من الغباء الإعتقاد أنّ الوباء هو كذبة، أو أنّه مُجرّد إنفلونزا عاديّة، خاصة وأنّ الخبراء يُقدّرون عدد المُصابين بكورونا حاليًا في العالم بما لا يقلّ عن خمسة أضعاف الرقم المُعلن عنه على الأقلّ(1)، وذلك لأنّ كثير من الدول في العالم لا تُجري سوى عددًا قليلاً جدًا من إختبارات كشف الوباء، ولأنّ الكثير من المُصابين لا يحملون أيّ عوارض ولا يتوجّهون إلى أيّ مُستشفى أو مُختبر ليتمّ إدخالهم بالإحصاءات. وبالتالي، لم يعد من الجائز التعامل مع كورونا كأنّه غير مَوجود، والمَطلوب من اللبنانيّين بشكل خاص، عدم إعتبار الوباء كذبة من المسؤولين، للتعمية على الإنهيار الحاصل وعلى سرقة أموال الناس!.
رابعًا: صحيح أنّ رقم المُصابين الذين تعافوايقترب من 12 مليون بحسب الإحصاءات العالميّة، لكنّ رقم المُصابين في تصاعد مُستمرّ، وهو إذ يتراجع في دولة يتقدّم في أخرى، وإذ يخفّ في مكان في مرحلة ما يعود ويتصاعد في مرحلة أخرى، ما يعني أنّ العالم سيبقى يدور في هذه الدائرة المُفرغة لفترة زمنيّة غير معروفة. وعلى الرغم من التقارير المُتفائلة بشأن إحراز تقدّم بالنسبة إلى قرب تقديم لقاح فعّال ضُدّ وباء كورونا، فإنّ المَعلومات في هذا الصدد لا تزال غير واضحة وغير حاسمة، علمًا أنّه حتى بعد إيجاد اللقاح الفعّال، إنّ تعميمه في كل أنحاء العالم وبسعر مُناسب لكل الناس، سيستغرق وقتًا طويلاً. وبالتالي، حان الوقت لوضع الخطط المُناسبة للتأقلم مع هذا الواقع الجديد الذي دخل حياتنا من دون إستئذان، لأنّه من غير المُمكن مُواصلة الحياة بشكل طبيعي مع وُجود كورونا.
خامسًا: في لبنان، وبعد أن بلغ الرقم الإجمالي للإصابات التي جرى تسجيلها نحو 5000 إصابة، لم يعد من الجائز التعامل بخفّة مع الموضوع. والمُشكلة أنّه في الأشهر الماضية كان عدد المُتعافين أعلى من عدد المُصابين، لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت الأمور تأخذ منحى سلبيًا، حيث باتت أرقام المُصابين هي الأعلى من أرقام المُتعافين، بسبب كثرة الإصابات اليوميّة. وفي حال بقاء الأمور على هذه الوتيرة التي شهدناها خلال الأيّام القليلة الماضية، فإنّ عدد الأسرّة المُجهّزة للتعامل مع المُصابين بوباء كورونا لن يعود كافيًا، خاصة في المُستشفيات الرسميّة، علمًا أنّ كلفة العلاج في المُستشفيات الخاصة باهظة، ولا قُدرة للأغلبيّة الساحقة من اللبنانيّين على تحمّلها. وبالتالي، قد يكون من المُفيد مُحاولة تطبيق القول المأثور "درهم وقاية خير من قُنطار علاج"في حال الوباء، لأنّه بمُجرّد إصابة أيّ شخص به، سيتعرّض لكثير من المشاكل في حياته العادية-في منزله وفي الحيّ الذي يسكن فيه وفي العمل الذي يُزاوله، إلخ. وذلك حتى لو لم يدخل إلى المُستشفى، وحتى لو لم يتعرّض لأيّ مشاكل صحّية خطيرة.
سادسًا: إنّ الواقع المَعيشي والحياتي المُتدهور للبنانيّين هو الذي يدفع السُلطات المعنيّة في لبنان، إلى عدم فرض الإغلاق الكامل بالقُوّة، لكنّ الإغلاق الجزئي وإستمرار الكثير من المُواطنين بتجاهل التعليمات، سيُوقع الجميع في مُشكلة كبرى، ستستوجب الإغلاق الكامل للبلاد، إضافة إلى أنّ الكثير من اللبنانيّين سيدفعون عندها حياتهم ثمنًا لإصرار البعض على التصرّف بقلّة مسؤوليّة وبقلّة وعي وحتى بقلّة أخلاق، تجاه أنفسهم بالدرجة الأولى، وتجاه مُجتمعهم بالدرجة الثانية. وبالتالي، نعم يجب إستمرار الأعمال، ونعم يجب السماح للمُواطنين بالترفيه عن أنفسهم بالحدّ الأدنى في ظلّ هذه الظُروف الضاغطة، لكن في الوقت عينه، يجب منع كلّ أنواع التجمّعات التي يُمكن تجنّبها، ويجب تطبيق التباعد الإجتماعي في مُختلف الأماكن العامة، ويجب فرض إرتداء الكمّامات، ويجب الحرص على غسل اليدين بإنتظام وتجنّب مُلامسة الوجه، إلخ.
في الخُلاصة، إنّ كورونا مُشكلة عالميّة كبرى، وهي طالت لبنان كما غيره، وأضافت إلى مآسيه مأساة جديدة. وعلينا بالتالي كلبنانيّين أن نختار بين أن نتصرّف بجهل، فيُشلّ البلد أكثر ممّا هو مشلول، وينهار الإقتصاد أكثر ممّا هو مُنهار، وتعمّ الفوضى في المُستشفيات، ويسقط الضحايابالمئات، أو أن نتصرّف بوعي، فنُحاول قدر الإمكان التعايش مع الوباء، وتسيير أمورنا الحياتيّة بالحدّ الأدنى المُمكن، في إنتظار خُروج العالم أجمع من هذا النفق المُظلم.
(1) بعض الخُبراء يقول إنّ رقم المُصابين الحقيقي في أيّ بلد هو الرقم المُعلن من السُلطات فيه ضرب عشر مرّات، وبعضهم يدعو إلى ضرب هذا الرقم بأربعة وعشرين ضُعفًا لمعرفة العدد الفعلي للمُصابين!.