لم تعد أزمة الكهرباء في لبنان بحاجة إلى الكثير من الشرح والتفسير، فهي باتت قضية عالمية لن يكون من المستغرب أن توضع على طاولة مجلس الأمن الدولي، في يوم من الأيام، للبحث عن الحل الذي عجزت عنه الحكومات المتعاقبة، نظراً إلى أن النكد السياسي المحلي، على ما يبدو، لن يسمح بمعالجتها في وقت قريب، بل سيتركها ورقة تدور حولها علامات الاستفهام وتتقاذفها انطلاقاً من الاتهامات.
في الشهر الماضي، وصلت هذه الأزمة الى ذروتها، لم تعد الدولة قادرة، عبر مؤسسة كهرباء لبنان، على تأمين الحد الأدنى من ساعات التغذية بسبب مشكلة الفيول، ولاحقاً الأعطال التي طرأت على بعض المعامل، في حين كانت المولدات الخاصة تعاني من شحّ في مادة المازوت، المتوفّرة بالكميات اللازمة في السوق السوداء.
في هذه الفترة، خرج وزير الطاقة والمياه ريمون غجر، المستشار الدائم لأغلب الوزراء في السنوات الماضية، ليعد اللبنانيين بعودة التغذية إلى طبيعتها خلال 48 ساعة، مضت الأيام من دون أن يتحقق الوعد، الذي لم يجد جواباً على أزمة الشحّ في المازوت، كي تتولى المولدات الخاصة، تغطية العجز، إلا عبارة واحدة: "يتبخر"، على قاعدة أن الكميات التي يحتاج لها متوفرة.
على طاولة مجلس الوزراء، كان الحديث عن المافيات المجهولة، التي تتحكم بالأسواق وحياة اللبنانيين، من دون حسيب أو رقيب، لكن في المقابل لم يتمّ توقيف أي فرد من هذه المافيات أو محاسبة أي محتكر، فهم كالأشباح التي لا تستطيع السلطات المعنية رصدها، بينما المواطن يصطدم بها يومياً، ليدفع هو نفسه لاحقاً ثمن هذا الفشل المستمر منذ سنوات.
أزمة الكهرباء لا تختلف كثيراً عن أزمة النفايات أو أي أزمة أخرى في لبنان، لا حلول جذرية لها، لدرجة بات المواطن يظنّ أن العالم بأسره يعيش الواقع نفسه، حيث تعجز مختلف دول العالم عن تأمين الكهرباء للمواطنين، وبالتالي لا يجب إلقاء اللوم على الدولة التي تنتظر أن يخرج من يقدم لها الاختراع المناسب، أما من يرفع صوته ليسأل عن أسباب هذا العجز، فهو متآمر أو جاهل بالخطوات الإصلاحيّة التي تقوم بها الحكومة، لأنه يرفض سياسية "الترقيع" القائمة.
إلى حين وصول الاختراع الذي تنتظره البشرية بأسرها، بحسب ما تحاول السلطة أن توهم اللبنانيين، ما على اللبنانيين إلا الانتظار، والتركيز على السجالات السياسية والطائفية، التي باتوا وقوداً لها، للدفاع عن زعامات لا تنطفئ الأنوار في منازلها أو قصورها، أما هم فما عليهم إلا مراجعة فواتير المولدات الخاصة التي وصلت إليهم نهاية الشهر الماضي، رغم التقنين الذي تفنّن مالكو المولّدت بتعذيب المواطنين فيه أيضاً.
هذه الفواتير، كانت خيالية، لامست في بعض المناطق الحد الأدنى للأجور، وإذا كان البعض بحاجة إلى الكهرباء بشكل دائم، ما عليه إلا البحث عن حل ثالث يغطي عجز المولّدات الخاصة عن تغطية عجز مؤسسة كهرباء لبنان، ليصبح لديه 3 فواتير، وسيكون مضطراً للاستدانة لتغطيتها، أما السؤال عن محاسبة المسؤولين عن هذا الواقع، الذي يمثل ما يقارب نصف الدين العام، فهو حلم لن يتحقق على ما يبدو.
في المحصلة، لا حلول منتظرة في وقت قريب، أقصى ما يمكن أن تقوم بها السلطات المعنية، عندما يقوم أصحاب المولدات بالتهديد بالإطفاء الشامل، هو الطلب من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التدخل، أو اللجوء الى الطريق السهل بزيادة التسعيرة كجائزة ترضية على أن يدفع المواطن الثمن من جيبه.