حلَّ العيدُ الماسيُّ للجيش اللبناني بظروفٍ صعبة على مُستويات عدّة، يتداخل بالتأثير عليها ما هو طبيعي، بفعل انتشار فيروس "كورونا"، وما هو بفعل الاستهتار وعدم المسؤولية، وحماية الفاسدين والمُفسدين، ما زاد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية صعوبة يئن تحت وطأتها الجميع.
تشمل المُعاناة مُختلف مناحي الحياة، مع تقنينٍ قاسٍ للتيار الكهربائي، واشتراكات المُولّدات بفعل اختفاء مادّة المازوت المُهرّب أو المُخبّأ، وانقطاع المياه، وتأثّر قطاع الاتصالات، وندرة البنزين، والارتفاع الجنوني للأسعار، بفقدان كثير من المواد الغذائية والتموينية والأساسية، والأدوية الأصلية، وقطع الطرقات لاعتبارات مُتعدّدة وقرصنة أموال المودعين في المصارف.
مواجهة كل ذلك، تحتاج إلى إرادة، وليست تأمين الحماية والحصانة للمُعتدين، والبحث عن إقفال ملفّات، على الرغم من أدلّة الإدانة الدامغة بالوثائق والبراهين.
وهناك أيضاً من لا يزال يعتقد أنّ بإمكانه إدارة البلاد بعقلية المُحاصصة التي اعتُمِدَتْ سابقاً، غافلاً عن تطوّرات عديدة، في طليعتها ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، التي رفعت شعارات مُحقّة، لكن البعض تعمّد الدخول على خطّها، وخطف شعاراتها وتحويل مسارها. وللإبقاء على مُكافحة الفساد شعاراً، بل هناك مَنْ يتوهّم بأنّه رفعه منذ فترة طويلة، والآخرون استدركوا اللحاق بركبه!
لا شك في أنّ جائحة "كورونا" فرضت قواعدها وشروطها، ودخلت دون استئذان، لا تُفرّق بين كبير أو صغير، أو منطقة، أو لون، أو طائفة، أو جنسية.
هذا فضلاً عن التهديد الإسرائيلي الدائم للبنان، وارتفاع لهجة المسؤولين الإسرائيليين بردٍّ قاسٍ ضد لبنان، في حال شنَّ "حزب الله" أي هجوم ضد قوّات الاحتلال.
يُحاول الاحتلال المُتمادي بارتكاب خروقاته واعتداءاته، نقل مأزقه الداخلي إلى الجبهة الشمالية لفلسطين المُحتلّة، ونحن نعيش أجواء الذكرى الـ14 لعدوانه في تموز/يوليو 2006، واقتراب موعد مجلس الأمن الدولي بالتمديد لقوّات الطوارئ الدولية "اليونيفل" العاملة في جنوب لبنان لولاية جديدة.
في خضم كل ذلك، يبقى الرهان على الجيش الوطني، الذي يتعرّض قائده العماد المغوار جوزاف عون، لشتى أنواع القصف و"القنص"، بأسلحة مُتنوّعة، ونصب أفخاخ وألغام، ما يُؤكد أنّ فتح النار في هذا التوقيت ليس بريئاً، وإنْ كان البعض يضع ذلك في إطار حسابات السباق الرئاسي، قبل أكثر من عامين من موعده.
من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية، تتغيّر وتتبدّل الكثير من الأمور والمُعطيات، وتجارب لبنان السابقة خير إثبات على ذلك، فكم من مسؤول خلد إلى النوم على وعدٍ واستيقظ على حقيقة مُغايرة!.
استهداف الجيش وقائده في هذا الظرف بالذات، يُثير الكثير من الشكوك والريبة، فهو يأتي بعد مُحاولات منع مد المُؤسّسة العسكرية بالعتاد، وتخفيض موازنتها، والمساس بحقوق المُتقاعدين، وصولاً إلى العاملين، ووقف العمل بالتدبير رقم 3، واستبعاد اللحم من وجبات الطعام، فيما هم يفتدون الوطن باللحم الحي، ويذودون بالدفاع عنه في مُواجهة العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية وعملائه في الداخل والإرهاب وخلاياه، وتنفيذ العديد من العمليات الاستباقية التي جنّبت البلاد والعباد الكثير من الويلات.
والقيام بالواجب الوطني أينما وكيفما استوجب ذلك، بما يحفظ حق المُواطن بالتعبير ضمن الضوابط والقوانين والأنظمة، في الوقت ذاته، حماية المُمتلكات العامّة والخاصّة، ومنع مُحاولات البعض لإيقاع صدام بين حامي الوطن وأبنائه.
سهامٌ تستهدف الجيش وقائده، الذي أتقن في قيادته للمعارك التي خاضها ضد العدو الإسرائيلي والمجموعات الإرهابية، كيف يُفكّك الألغام، وينظّم الصفوف ويوحّدها، وهو يُدرك تماماً، أنّ هذه المرحلة دقيقة وبالغة الصعوبة من عمر لبنان، والآمال مُعلّقة على المُؤسّسة العسكرية، التي ينصهر فيها الجميع، ليس دفاعاً عن زعيم يستغل تضحياتهم، بل بتقديمهم التضحيات لحفظ أمن واستقرار لبنان، الذي أحوج ما يكون فيه إلى حصنه الأساسي، كخشبة خلاص.
هكذا تربّى العماد جوزاف عون في منزل والده خليل، الذي آمن بالمؤسّسة العسكرية، ويوم حاول البعض استغلال ما جرى في مسقط رأس العائلة، بلدة العيشية - قضاء جزين في العام 1976، واتخاذ ذلك ذريعة للالتحاق بالميليشيات العميلة التي أنشأها الرائد سعد حداد، وعُرِفَت لاحقاً باسم "جيش لبنان الحر"، كان الوالد يلتزم المُؤسّسة العسكرية الأم، ويدفع بنجله البكر ليتطوّع في العام 1983 تلميذ ضابط في الكلية الحربية، التي تخرّج منها في 6 أيار/مايو 1985 برتبة مُلازم، وكانت آخر دورة قبل توقّفها، إلى حين إعادة فتح الكلية الحربية بعد وقف الحرب الأهلية العبثية في لبنان.
في المُؤسّسة العسكرية، وأينما خَدَمَ العماد جوزاف عون، كان يُجسّد ما ربّاه عليه والداه خليل وهدى من تواضع وحب الوطن والدفاع عنه.
وهو ما عمل على تكريسه، منذ تسلّمه قيادة الجيش في 8 آذارا/مارس 2017، بترسيخ عقيدته بمُواجهة العدو الإسرائيلي والإرهابي، والدفاع عن الوطن، وحفظ أمنه واستقراره، وتطوير هيكلية الجيش، وقد نجح في ذلك، فأضحى موضع تقدير عربي ودولي.
كل التحية للجيش، قيادة وضبّاطاً ورتباءً وأفراداً، وإلى شهداء وجرحى وقُدامى الجيش الوطني، الذين قدّموا التضحيات ليبقى لبنان، وإلى عوائلهم التي لم تبخل على حامي حياض الوطن بتقديمها للأبناء والاحتضان.
في العيد الماسي للجيش، حبّذا لو يبتعد البعض من السياسيين عن نقل فشلهم، وعقم سياساتهم، وتجارتهم بكل شيء، عن المُؤسّسة الحاضنة، وإبعادها عن الاستهداف والمُناكفات، فهي المعقل المُحصّن بوجه ما أفسدوه، والركن الأساسي لإعادة اللُحمة إلى الوطن، وخط الدفاع الأوّل المُؤتمن على مُستقبل البلاد، وليقدّموا للجيش الحب والورد والود.