التعليم عن بعد هو إحدى الوسائل المتبعة في تعليم الطلاب الذين لا يستطيعون تحت الظروف العادية الاستمرار في التحصيل العلمي داخل حرم المؤسسة التربوية، حيث يتم خلاله نقل برنامج تعليمي من موضع ما إلى أماكن متفرقة جغرافياً. وهو نظام قائم على فكرة إيصال المادة التعليمية إلى المتعلم عبر وسائط وأساليب التواصل المختلفة، لذلك يحرص المؤلفون في أن تتناسب المواد التعليمية الخاصة في التعليم عن بعد، مع التقنيات والوسائط المستخدمة، وأن تنوب نسبياً عن المعلم، من خلال تقديم الإرشاد والتوجيه الدائم للمتعلمين.
وانطلاقاً مما يوفره التعليم عن بعد، كونه تعليماً جماهيرياً، فإنه يهدف إلى تقديم الخدمات التعليمية لمن فاتتهم فرص التعليم التقليدية، وإلى تقديم برامج التوعية والثقافة العامة لشرائح واسعة من المجتمع.
والتعليم عن بعد ليس تعليماً عبر الإنترنت أو بريداً إلكترونياً فحسب، لكن ونظراً لتقدم التكنولوجيا والانتشار الواسع لوسائل التواصل والاتصال الرقمية، فإن التعليم عبر الإنترنت يعتبر في أحيانٍ كثيرة مرادفاً للتعليم عن بعد.
ومن أجل تحقيق النجاح، يتطلب التعليم عن بعد عبر الإنترنت اكتساب المعلمين والطلاب لمهارات استخدام الكومبيوتر والبرمجيات الخاصة ومهارات التواصل وإدارة الوقت.
ففي لبنان نرى قلّة من المدارس، قد نجحت نسبياً في استخدام التكنولوجيا في التعليم عن بعد، باعتبار أنهم اعتمدوا هذه التقنية جزئياً قبل الأزمات الأخيرة التي ما زالت تعصف بلبنان.
وفي المقابل فقد عانت الأكثرية الساحقة من المدارس الرسمية والخاصة من عدم إمكانية تطبيق التعليم عن بعد. مع الإشارة إلى أن التواصل بين الطلاب والمعلمين في هذه المدارس لم ينقطع، فقد عمل كثير من المعلمين على إنتاج الفيديوهات التعليمية، شرحوا من خلالها بعض الدروس الإضافية، وآخرون اكتفوا باستخدام برنامج "واتساب" بإرسال أوراق مراجعة للدروس التي تم شرحها سابقاً في المدرسة قبل التعطيل القسري، دون التطرق إلى شرح مفاهيم جديدة، ومنهم من تواصل مع طلابه عبر إرسال الرسائل الصوتية، يشرح من خلالها بعض المفاهيم أو يقدم بعض التوجيهات. إضافة إلى ذلك فإن كثيراً من الأهالي قد استعانوا بمدرّسين خصوصيين لمتابعة تحصيل أبنائهم وتعويض ما فاتهم أو تقديم الإرشاد لهم، فازدادت بذلك الأعباء المادية على الأهل فوق عبء الأقساط المدرسيّة.
وفي السياق، فقد عملت وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع وزارة الإعلام والمركز التربوي للبحوث والإنماء، على برنامج بث تلفزيوني لصفوف الشهادات الرسمية عبر تلفزيون لبنان وفق برنامج محدد.
ويرى مهتمون بالشأن التربوي أن التعليم عن بعد في لبنان كان دون المستوى المطلوب، وأن نسبة الطلاب الذين تفاعلوا مع التعليم "اونلاين" لا يتخطى الـ ٢٠ بالمئة، وكل ذلك يعود إلى عدة أسباب منها :
- المناهج الدراسية المعتمدة حالياً غير مؤهلة لتتكيف مع التطوّر الرقميّ في التعليم عن بعد.
-عدم توفر المقوّمات التّربويّة واللّوجستيّة العادلة والمتساوية بين المتعلّمين والمعلّمين.
- الأمية الرقمية : فالعديد من المعلمين والطلاب لا يجيدون استخدام الكومبيوتر والتكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التعليمية.
- ضعف شبكة الإنترنت والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي.
- عدم امتلاك عدد كبير من التلاميذ للكمبيوتر أو اللوح الرقمي، وعدم القدرة على شرائها في الوقت الحالي بسبب الأزمة الاقتصادية الراهنة.
- الهيئة الادارية المدرسية غير مدرّبة لإدارة ومتابعة التعليم عن بعد.
- التلاميذ في صفوف الروضات والحلقتين الأولى والثانية على الأقل، لا يملكون الخبرة الكافية لاستخدام التطبيقات والبرامج المعتمدة في المدرسة في التعليم عن بعد، ما يحمّل الأهل مسؤوليّة إضافية في متابعة تحصيل أولادهم.
ورغم ذلك ما زال المعنيّون يعتمدون سياسة الترقيع عن بعد وتحميل الأهل والطلاب طاقة تفوق قدراتهم العلمية والماديّة عبر قرارات بعيدة عن واقع المدارس والمعلمين والطلاب والأهل دون رؤية واقعية أو تخطيط مسبق.
ومع اقتراب موعد بدء العام الدراسي ٢٠٢٠-٢٠٢١، فقد أصدر وزير التربية قراراً يطلب فيه من المدير العام للتربية ومديرة التعليم المهني ورئيس الجامعة اللبنانية بإجراء إحصاء شامل للطلاب، بهدف توزيع أجهزة إلكترونية واشتراك إنترنت مجاني استعداداً للتعليم "أونلاين" في الموسم الدراسي الجديد. لكن في المقابل، هل قامت وزارة التربية بتقييمٍ شامل لمنظومة التعليم عن بعد، والتي طبّقت في المدارس الرسمية والخاصة؟ وما هي خطة الوزارة لتعويض الطلاب ما فاتهم خلال العام المنصرم؟ وما هي الاستراتيجية التي ستفرضها الوزارة في العام الدراسي المقبل على المدارس الخاصة والرسمية؟ وما هي خطة مواجهة ارتفاع الأقساط المدرسيّة، وأسعار الكتب والقرطاسيّة؟ الجواب وجدناه على صفحة المركز التربوي للبحوث والإنماء : "نحن غير جاهزين لبدء التّدريس في أيلول". في المقابل اعتبر وزير التربية أن “تصريح رئيسة المركز التربوي غير مدروس والأوضاع لا تحتمل هكذا تصريحات” معلناً أن “خطة العودة الآمنة للمدارس أصبحت جاهزة“ و"العام الدراسي سيبدأ بين أيلول وتشرين الأول المقبل”...