لم يقتنع كل اللبنانيين بالأسباب التي أدّت لإنفجار مرفأ بيروت. هم تأكّدوا مما قيل عن محتويات العنبر ١٢ من نترات الامونيوم، ووجود تقصير رسمي أدّى إلى حصول كارثة. لكن كيف حصل إنفجار تلك المحتويات؟ لا تبدو خبرية "تلحيم الحديد" مقنعة. قد تكون حصلت أعمال صيانة للمخزن، لكن لا يصدّق اللبنانيون أنها المسؤولة عن إشتعال أدّى إلى وقوع كارثة "بيروتشيما".
ستحدّد لجنة التحقيق التي شكّلها مجلس الوزراء المسؤولين الذين لم ينقلوا تلك المواد الخطيرة من المرفأ. سيتم إستعراض الوقائع منذ وصول باخرة عام 2014. بالطبع، تشكّل محاسبة المسؤولين مطلباً لبنانياً شاملاً، لأن هؤلاء قتلوا المئات، وجرحوا الآلاف، وايتموا، واوجعوا، ودمروا، وانزلوا ببيروت كارثة لم تشهدها في تاريخها.
لكن هل يكتفي اللبنانيون هنا؟ انهم يريدون حقيقة من أشعل فتيل نترات الامونيوم. من وضع عبّوة؟ من أرسل صاروخاً؟ من أشعل المواد الخطرة؟ تلك أسئلة فرضيات تشكّل درب البحث الوطني عمن تورط بتنفيذ الجريمة.
لا يمكن إستبعاد أي دور إسرائيلي في العمل الإجرامي التنفيذي، بالإستناد الى وقائع التفجيرات والحرائق التي أحدثها الإسرائيليون في سوريا مثلاً خلال السنوات الماضية. تلك فرضية أساسية لا يجب أن تُستثنى عن الإحتمالات الموضوعة على طاولة التحقيق والتفتيش عن الحقيقة.
لذا، لا بدّ من الإشارة إلى ما ذكره المدوّن والصحافي الأميركي ريتشارد سيلفرشتاين "نقلاً عن مصدر إسرائيلي مطّلع كبير أن إنفجار مرفأ بيروت هو نتيجة قصفٍ إسرائيلي". يعتبر الصحافي نفسه أن تل أبيب كانت تستهدف مخزن تابع لحزب الله، ويدّعي أن "الإسرائيليين لم يعلموا بوجود مواد نترات الأمونيوم المتفجرة" إلى جانب المخزن المُشار إليه.
واذا كان الصحافي الأميركي يزعم أن اسرائيل استخدمت عبّوة ناسفة، فإنّ تل أبيب نفت أي علاقة لها بتفجير مرفأ بيروت. قد يكون النفي الإسرائيلي هذه المرة أتى بعد إتضاح حجم الكارثة التي أحدثها الإنفجار في بيروت، فلا تريد اسرائيل تحمّل مسؤولية أمام عواصم العالم بهذا الحجم.
بجميع الاحوال، فإن الدولة اللبنانية مطالبة بتبيان الحقيقة أمام الراي العام، والإجابة على أسئلة: من خزّن تلك المواد؟ لماذا؟ من منع نقل النترات؟ لماذا؟ من كان يعرف بوجود المواد؟ لماذا صمت عنهم؟ ما هي غاية وجود الامونيوم في مرفأ بيروت؟ كيف تمّ إشتعال الشرارة الأولى التي ادّت لحدوث إنفجار؟ هل صحيح كانت أجواء لبنان خالية من الطائرات الإسرائيلية؟.
تتراكم الأسئلة التي ستعيد للبلد حقوقه المعنوية، بينما أزمته تكمن في تداعيات الكارثة، إقتصادياً وصحّياً بالدرجة الأولى. ستقف عواصم العالم الى جانب اللبنانيين لحين جلاء غبار التفجير، وإعادة المواطنين الى منازلهم ومعالجة الجرحى ودفن الشهداء وإنتشال المفقودين. لكن ازمة لبنان ستزداد نتيجة دمار المرفأ، وزيادة الأعباء المالية على خزينة الدولة الفارغة، وعدم القدرة على إستيراد حاجات لبنان، كما العادة في بلد إستهلاكي في نظام ريعي.
في حال صحّت فرضية مسؤولية إسرائيل في ضرب المرفأ وإحداث الكارثة بحق اللبنانيين، فما هو الإجراء التالي: رد بالمثل على مرفأ حيفا بصواريخ دقيقة يملكها "حزب الله"؟ أم بمقاضاة تل أبيب في عواصم العالم؟.
كل الخيارات مفتوحة، في مساحة قابلة لتبيان الحقيقة والمعالجة، وربما الرد.