لقد عانى لبنان، بلد الحوار والثقافة والحضارة، منذ نشأته، من تداعيات الصراعات الإقليميّة والدوليّة على الواقع السياسي والأمني والاقتصادي. كما أن التنوع المذهبي والطائفي جعله أرضاً خصبةً لزرع العصبيات، فتراها تنمو عند أعتاب مصالح أمراء الطوائف والمذاهب، ويقوم بجني محاصيلها مقاولون وتجار، ازدهرت ثرواتهم عندما ساءت أحوال اللبنانيين.
جاء الميثاق الوطني غير المكتوب عام ١٩٤٣، حيث وُزّعت فيه الرئاسات الثلاث على المسيحيين والشيعة والسنة، بحيث يكون رئيس الجمهورية مارونياً، ورئيس الوزراء سنياً، ورئيس المجلس النيابي شيعياً وأن يكون نائبه من الروم الأرثوذكس، وأن يكون رئيس الأركان العامة درزياً.
لكن وبعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥ والتي انتهت باتفاق الطائف عام ١٩٨٩، تغيّرت نسبة النواب في البرلمان إلى المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وقلّل من صلاحيات الرئيس الماروني. هذه الطائفية في الدستور اللبناني والأعراف، هي بمثابة قنابل موقوتة، دائماً ما تنفجر في ظروف سياسية تناسب الفساد الداخلي وتحقق الأطماع الخارجية.
لذلك، فإن لبنان يعتبر بلد الأزمات والتسويات الظاهرة والباطنة، الداخلية منها والخارجية، على حساب الشعب اللبناني المقهور، خاصة وأن السرطان الذي يُسمّى بإسرائيل المغتصبة لأرضنا وأرض فلسطين، ينتشر على حدودنا، ويهدد دائماً مشروع بناء دولة قوية وآمنة.
وهناك سرطان أخطر من إسرائيل، فريدٌ من نوعه، ينهش بلبنان وشعبه، يمسك بالسلطة السياسية والقضائية والأمنية والنقابية والمالية، ويتمتع بغطاء دولي، ودعم طائفي، إنها السلطة الحاكمة بكل مكوناتها الحالية والسابقة.
سلطة تعاهدت على تغطية الفساد وحماية الفاسدين، فساد في أدوية مرضى السرطان، وفساد طال الأموال العمومية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفساد في استثمار وتشغيل سوق المبيعات الحرة في المطار، وفساد المخالفات في قطاع الاتصالات، وفساد كازينو لبنان، وفساد في التشكيلات القضائية والجسم القضائي، وفساد وزارة التربية، وفساد ملف تطويع تلامذة ضباط في الكلية الحربية، وفساد في المعاينة الميكانيكية، وفساد في استئجار المباني الحكومية، وفساد في التوظيف غير الشرعي، وفساد في وزارة الطاقة ووزارة الاتصالات وملف بواخر الكهرباء المستأجرة والفيول المغشوش، وفساد في عمليات التهرّب الجمركي، وفساد الرشاوى والتجاوزات القانونية في المؤسسات العامة، وفساد التعدّي على الأملاك البحرية والنهرية، وفساد التعدّي على المشاعات والأملاك العامة، وفساد وزارة المهجرين وصندوق الإنماء والإعمار، ومجلس الجنوب، وفساد الدوائر العقارية والمالية، وفساد ملف النفايات والتلوث البيئي، وفساد المعابر غير الشرعية والتهريب والفساد المستشري في مرفأ بيروت وفسادٌ وفسادٌ وفساد...
لبنان وشعبه يدفعون دائماً فاتورة صراع الآخرين على أرضنا وفساد الأقربين في مؤسساتنا. فحجم التدخل الخارجي والفساد الداخلي وصل لحدّ جنوني، حتى دفع لبنان ثمناً باهظاً في انفجار مرفأ بيروت. فبيروت اليوم تنزف ألماً ودماً على استشهاد وفقدان المئات وجرح الآلاف. فالرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والعودة السالمة للمفقودين.
لكن السؤال الأهم، متى يستفيق الشعب اللبناني العنيد من غيبوبته؟