المشهد في بيروت، أثر كارثة الرابع من آب الجاري، مماثل للمشهد الذي كان سائداً فيها مطلع العام 2005، غداة وقوع "جريمة العصر"، التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ولكن وجه الشبه بين المشهدين، يقتصر على الشكل تقريباً، من حيث هول الكارثتين، وتداعياتهما على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، رغم الفارق الكبير بينهما، لجهة "الدمار الشامل"، الذي خلّفه "الإنفجار الكيماوي" في مرفأ بيروت، فحوّلها الى مدينة منكوبة.
أولاً- في الشكل، حركت الكارثة مجدداً الأحقاد الدفينة، لدى فريق "غربان الموت"، الذي ولد ونشأ وترعرع بعضه على سفك الدماء، وبعضه الآخر على إستغلال الجرائم، من أجل الحفاظ على الوجود والديمومة والاستمرار، فاعتاد العيش في "كنف مآتم الموت، ورائحة الدم، ونحيب الندابات"، بالتالي كان ولايزال يأخذ من كل جريمة أو مصيبة، جرعة إنعاش، لمحاولة بعث الحياة في مشروعه المتبدد، وإعادة بث "معزوفة النشاز"، عينها، الذي طرحها في الأسواق المحلية والخارجية للمرة الأولى في العام 2005، إثر اغتيال الحريري، ولازمتها " لا نثق بالقضاء اللبناني، نريد تحقيقاً دولياً". وما أشبه اليوم بالأمس فكما جمعت هذه المصيبة أي "اغتيال الحريري" الفريق المذكورفي حينه، تحت عنوان واحد وهدف واحد، وهو "إسقاط المقاومة اللبنانية والتآمر على سورية"، من خلال إتهامها بالضلوع في هذا الاغتيال، كذلك أسهت مجدداً كارثة الرابع من آب في رص صفوفه، وإحياء أوهام غابرة - متجددة لديه أيضاً، وهي "محاولة إستغلال هذه الكارثة الكبرى التي المت بلبنان، لفرض وصاية دولية عليه، تؤدي في نهاية المطاف الى نزع سلاح المقاومة، وفقاً للأوهام المذكورة.
وكعادته، تناول الثلاثي "الحزب التقدمي الإشتراكي، القوات اللبنانية، تيار المستقبل"، و"حزب الكتائب بضهر البيعة"، جرعةً منشّطة، من الكارثة الأخيرة وتداعياتها، والإندفاع مجدداً، الى عقد مراهنات فاشلة على إمكان إسقاط العهد، الحليف للمقاومة، ثم تدويل الأزمة اللبنانية، للوصول الى الهدف القديم – الحديث، وهو نزع سلاح المقاومة، خصوصاً في ضوء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبيروت، والتدخل الفرنسي والغربي المباشر على خط هذه الأزمة. غير أن هذه الأوهام تبددت مجداً، خصوصاً بعد كلام الأمين العام ل ح زب ا ل ل ه السيد ح س ن ن ص ر ال ل ه الأخير، الذي دعا الى التعامل بإيجابية مع الأجواء الدولية، وشدد على ضرورة جلاء الحقيقة في شأن كارثة بيروت ومحاسبة المسؤولين عنها، وتوجّه السيد ن ص رال ل ه للذين فتحوا معركة مع ح زب ال ل ه ومحور ال م ق او م ة انطلاقًا من هذه الحادثة، بالقول: “لن تحصلوا على أي نتيجة”، مشدداً فهذه ال م ق او م ة بصدقيتها وبثقة الشعب اللبناني بها وبأدائها وبقوتها وبموقعها القومي والإقليمي هي أعظم من أن ينالها بعض الظالمين والكذابين والساعين للحرب الأهلية الذين طالما سعوا لذلك وفشلوا وسيفشلون”.
ثانياً: من حيث المضمون: من المؤكد أن المشهد مختلف تماماً بين 2005 و2020 لجهة النتائج، أولاً- ليس لدى الثلاثي المذكور ما يقدمه، سوى عرض نفسه، أمام الدول الغربية، أنه جاهز للتلزيم لا اكثر، في اي "مشروع" ينال من المقاومة وحلفائها وبيئتها الحاضنة. وثانياً، جاءت جريمة إغتيال الحريري، عقب صدور القرار الدولي 1559، فأدى الضغط الدولي يومها، الى خروج القوات السورية من لبنان في نيسان من العام 2005، أما اليوم فالوضع الدولي ليس كما كان في 2005. ثالثاً، خروج التيار الوطني الحر، الذي كان يشكل العصب الرئيسي في فريق ما كان يعرف " بـ 14 آذار"، ثم توقيع التيار، لورقة تفاهم سياسي واستراتيجي مع حزب الله. رابعاً، وفي سياق متصل، عودة مقاتلي ال م ق اوم ة من سورية ، بعد إسهامهم في تحقيق إنجازات ميدانية الى جائب حلفائهم في الجارة الأقرب، بالتالي لقد أدى ذلك، الى تخفيف الضغط عن الحزب، وبات مرتاحاً إلى وضعه في الداخل اللبناني.
وبناءً على ما تقدم، يرى مرجع إسلامي مؤيد لخط المقاومة، أن "كارثة بيروت" الأخيرة، أنتجت تعاطياً دولياً جديداً مع لبنان، بعد الحصار الذي فرضته الولايات المتحدة عليه، والذي أدى بدوره، الى إرهاق الشعب اللبناني مالياً وإقتصادياً، غير أن هذا الحصار لم يصل الى مبتغاه، أي تركيع حزب الله، الذي استطاع إستيعاب هذا الضغط الأميركي، ودائما بحسب رأي المرجع. ويعتبر أن المجتمع الدولي، وجد من هذه الكارثة، فرصةً لتغيير سياسته، غير المجدية تجاه لبنان، الذي دفعته الى دراسة الخطوات الجدية من أجل التوجه الى الشرق، الأمر الذي يتعارض مع سياسة واشنطن في المنطقة.
ويؤكد المرجع أن زيارة ماكرون الى لبنان، جاءت بعد تفويض أميركيٍ له بإجرائها، وتقاطع ذلك مع المصلحة الفرنسية، بتعزيز وجودها في المنطقة. ويبدو أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة ونظام جديد، وختم بالقول: "الطائف إنتهى".
في المقابل، تحذر مصادر سياسية سورية، من أن تكون الاهداف الحقيقة للزيارات الغربية للبنان، هو عودة فرز الشارع اللبناني، بين مؤيد لسلاح المقاومة، ورافض لهذا السلاح، من خلال تقديم المساعدات المالية وغير المالية، الى الفريق الرافض، لاستفطاب الجمهور، كذلك والتلويح بحجب المساعدات عن الدولة اللبنانية، في حال إستمرارها بتبني هذا السلاح رسمياً، خصوصاً في البيان الوزاري لأي حكومة جديدة.