لقد شهد لبنان خلال العقود الأربعة الأخيرة، عدداً كبيراً من الأزمات الاقتصادية والأحداث السياسية، حيث كان ساحةً لصراعات الآخرين على أرضه. فالحرب الأهلية التي استمرت من العام ١٩٧٥ وحتى عام ١٩٩٠، حيث أسفرت عن مقتل ما يقارب ١٢٠ ألف شخص، ونزوح وتشريد مئات الآلاف من اللبنانيين. هذه الحرب المدمّرة للحجر والبشر، لم تكن كافيةً أحزانها كي نثور على سلطة الميليشيات والإجرام.
وفي عام ١٩٨٢ شنّت سلطة الاحتلال الإسرائيلي عمليةً عسكريةً ضد منظمة التحرير الفلسطينية وقامت باحتلال جنوب لبنان، وانتهت هذه الحرب بشكلها المعترف به عام ١٩٨٥، إلى حين انتهاء آثارها المباشرة عام ٢٠٠٠، عندما انسحبت إسرائيل وعملاؤها من جنوب لبنان. فانتهى بذلك عهد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ليبدأ بعدها عهد الميليشيات والأحزاب من كل الطوائف والمذاهب، في ظل الوصاية السورية على لبنان بالاشتراك مع الحليف الايراني... هذا الاجتياح الغاشم، لم يوّحد اللبنانيين بل أخذهم إلى مزيد من الأحزان.
وفى شباط ٢٠٠٥، اغتيل رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى مع ٢١ شخصاً، حيث أحدث هذا الانفجار صدمةً كبيرةً لدى اللبنانيين والمجتمع العربى والدولي. فصدر القرار ١٥٥٩، وخرجت سوريا من لبنان وأعلنت انسحابها الكامل في نيسان ٢٠٠٥. لكن هذا الانفجار بدل أن يوحّد اللبنانيين ضد كل الطبقة الحاكمة، ساهم في زيادة الشرخ بينهم، وتبادلوا الاتهامات، بين عمالةٍ لإسرائيل واتهامٍ بقتل رفيق الحريري. وما زالت الأحزان تتوالى...
وفي تموز ٢٠٠٦ اندلعت حرباً بين حزب الله وإسرائيل استمرت ٣٤ يوماً، على مساحة الوطن وخاصة فى الجنوب اللبناني والعاصمة بيروت. انتهت هذه الحرب بعد صدور القرار الدولى ١٧٠١، الذي قضى بوقف القتال، والذى ذهب ضحيته ما يقارب ١٣٠٠ شخصاً معظمهم من المدنيين. جاءت هذه الحرب لتقضي على ما تبقى من أملٍ في وحدة اللبنانيين، وتأخذهم إلى مزيدٍ من الأحزان، فتراهم يتراشقون الاتهامات والتخوين بين العمالة لإسرائيل وتنفيذ أجندات إيرانية وسورية...
وفي أيار ٢٠٠٧ اندلعت مواجهات عنيفة مسلحة بين حزب الله من جهة وتحالف ما يُسمّى ١٤ آذار من جهة ثانية وخاصة الحزب التقدمى الاشتراكي، وذلك بعد صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبنانى بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاص بحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن المطار. بدأت هذه الاشتباكات في بيروت وامتدت إلى جبل لبنان، حيث أسفر عنها ما لا يقل عن ١٠٠ قتيل في أقل من أسبوع.
وفي ٢٠ أيار من العام نفسه، اندلعت معارك عنيفة بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الاسلام في مدينة طرابلس ومحيط مخيم نهر البارد ذهب ضحيتها ١٦٨ شهيداً ومئات من الجرحى، ما زاد هذا العدد حزناً فوق أحزان اللبنانيين..
أما فيما يخص الأزمات الاقتصادية، فإن لبنان يعتبر من أكثر الدول تأثراً باندلاع الاضطرابات في عدد من الدول العربية، هذه الاضطرابات، في ظل فساد السلطات المتعاقبة، أدت إلى أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخ لبنان، تمثل في شحّ الدولار في الأسواق القانونية ووفرته في السوق السوداء، وفقدان العملة المحليّة أكثر من نصف قيمتها، وارتفاع معدل التضخم، ما جعل أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، فخسر عشرات الآلاف من اللبنانيين إما وظائفهم أو رواتبهم، وزادت بذلك أحزانهم، مطلقةً شرارة الخلاص...
وجاء انفجار بيروت الكبير، ليحصد مئات الشهداء والمفقودين وآلاف الجرحى والمصابين، واختلطت الدماء بالدموع، مبشّرة بولادة ثورة حقيقية على الظلم والقهر، فهل ستكون ولادتها قريبةً أم أنها تنتظر مزيداً من الأحزان؟